لقد ولد عيسى عليه السلام, وله خصائص الغلام, فقد تكلم بالحكمة وهو في المهد, وهذه ليست صفة لمولود, كما أنه لم يتزوج, والغلام لا يتزوج.
ولنقرأ الصفات التي وصفه الله بها, ومدى مناسبتها لصفات الغلام المثالي:
غلاما زكيا:
أي طاهرا من الذنوب, ففي هذه السن عادة ما يرتكب الغلام ذنوبا, فهو قد بدأ أول مراحل البلوغ, ويحاول الشيطان أن يدخل إليه من أبواب الشهوات. ولكن الله يضرب لنا المثل في الطهارة من الذنوب بعيسى عليه السلام. وظلت هذه الصفة تلازمه بقية حياته. ويمكن أن تكون ابنتك أو ابنك أيضا زكيا, بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم (شاب نشأ في طاعة الله)
وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ آية للناس:
لقد كان عيسى عليه السلام آية للناس في أن الله خَلقه من امرأة بغير زوج. وكذلك يمكن أن يكون ابنك آية للناس في خُلُقِه أودينه أوعلمه أوتفوقه أومعاملاته أونجاحاته.
وَرَحْمَةً مِنَّا:
كما كان عيسى عليه السلام رحمة من الله, كذلك يمكن أن يكون ابنك رحمة من الله, إن ربيته على طاعته, يوقّر الكبير, ويرحم الصغير, ويرحم المسكين ويعطف على الفقير ويكرم اليتيم والضعيف, ويعين ذا الحاجة, ويرحم الحيوان, ويرحم نفسه من المعصية.
والأبناء الصالحون الطائعون لربهم, أساس المستقبل للحضارة الإنسانية التي تسعد بهم, على عكس الطالحين الفاسدين الذين تشقى بهم الحضارات عصيانا وفجورا وعدوانا
وقد كان عليه السلام يوصي برحمة الأعداء, (ارحموا أعداءكم, باركوا لاعنيكم, من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر) وهذه أخلاق منحازة للرحمة تماما.
لقد تجلت صفة الرحمة في عيسى بن مريم عليه السلام, حيث بدأ برحمة أمه حين وجدها حزينة مهمومة لما تتوقعه من مواجهة قومها بعد ولادتها لعيسى بغير زوج, (فناداها من تحتها ألا تحزني) الآيات…
كما أنه قال للقوم: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)) ويقول صلّى الله عليه وسلم: (لا تنزع الرحمة إلا من شقيّ) فربط بين نزع الرحمة وبين الشقاء, فصدق في فهمه عن الله سبحانه, وعن كتاب الله, فعيسى رحمة من الله, ولم يجعله الله جبارا شقيا.
لو ربيت أبناءك على أن يكونوا رحمة من الله, تزرع الرحمة في قلوبهم, فإنك ستجد أنك أول من تجني ثمار هذه الزراعة, برا بوالديهم, ثم يتمتع بها الناس من حولهم.
وحين يكبرون فإنهم يسألون الله لك الرحمة (واخفض لهما جناح الذُّلّ من الرحمة, وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا)
ولتأخذ من منهاج رسول الله في الرحمة فتلقنه لهم, وآثار رحمة الله في رسوله لا حصر لها….
يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن. من لا يرحم لا يُرحم).. وقد كان هو كذلك صلّى الله عليه وسلم, قال له الله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران 159
وضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في الحنان والرأفة والرحمة, حين ساءت معاملة قومه له, فجاءه جبريل عليه السلام يقول له إن شئت لأطبقنا عليهم الأخشبين, فيقول ملتمسا لهم العذر: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). كما أنه عليه الصلاة والسلام ظل يستغفر حتى للمنافقين عسى الله أن يهديهم, رغم أن الله سبحانه قال له: إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم. فلربما يغفر الله لهم إن استغفر لهم أكثر من سبعين مرة.
وقد جعل الله القسوة علة الفسق عن أمر الله, وسبب الشرود عن صراطه المستقيم, فقال: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16))
وفي الحديث (إن أبعد الناس من الله تعالى القاسي القلب).
ولا تقتصر الرحمة على ما بين الأصحاب والأقارب والأصدقاء, ولكن رسول الله عليه الصلاة والسلام, يبين أنها شرط للإيمان فيقول: (لن تؤمنوا حتى ترحموا, قالوا يا رسول الله كلنا رحيم, قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه, ولكنها رحمة العامة),
وهي صفة للذين مع رسول الله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)
والصحابة رضوان الله عليهم قد اتبعوا سنة رسول الله في الرحمة حتى على المحاربين لهم من المسلمين, فالإمام عليّ كرّم الله وجهه لم يمنع الماء عن جنود معاوية بعد أن تمكن منه, وكانوا قد منعوه منه.
إذن ففي مرحلة الغلام وهي التي تعقب مرحلة الصبى, وتبدأ أعراض البلوغ في الظهور على الأبناء والبنات, في هذه المرحلة, يجب تربية الطفل على خلق الرحمة, وتدريبه عليها, في تطبيقات الرحمة المختلفة..
● في الرحمة لليتامى: فيؤخذ الطفل إلى حيث يكون اليتامى, فيزورهم ويشعر بنعمة الله الذي لم يحرمه أباه أو أمه, وأن يمسح على رءوسهم, وألا يقهرهم (فأما اليتيم فلا تقهر) وأن يكرمهم. وقد أوصى رسول الله من شكا له قسوة قلبه, فقال: امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين.
● والرحمة للمساكين والفقراء: فلا ينبغي أن تجد في عين الصبيّ نظرة ازدراء واحتقار حين يرى أحوالهم الضعيفة, بل يعطف عليهم وينفق من مصروفه جزءا لهم, فيعتاد أن يكون في ماله حق للسائل والمحروم, وألا يتبع نفقته أذى (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى, والله غني حليم)
● الرحمة بالمريض: بأن يعوده, ويعلم أن هذا من حق المسلم على المسلم وألا يسخر من عاهته,. (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج)
● ويواسي المحزون: أن يعلم أن كلمة مواساة لمحزون قد تكون سببا في تنفيث كربته, ومن نفث عن مؤمن كربة من كربات الدنيا, نفث الله عنه كربة من كربات يوم القيامة.
● الرحمة بالحيوان (دخلت امرأة النار في هرة حبستها, فلا هي أطعمتها وسقتها, ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)
● وعليك أن تضع للأبناء حدود الرحمة, فهي ليست مثل الحنان, ففي الرحمة بعض مظاهر القسوة أحيانا ولكنها رحمة في حقيقتها, حين يقسو الإنسان على من يرحم ليرده إلى صوابه, يقول الشاعر:
(فقسا ليزدجروا, ومن يك راحما فليقس أحيانا على من يرحم),
وليس من القسوة أيضا أن يذبح أضحية أو دجاجة أحل الله ذبحها, فمن كانت فيه صفة الرحمة, فإنها لا تمنعه من ذلك, ولكن صفة الحنان قد تمنعه, ولذا كانت مرحلة الصبيّ لزراعة الحنان وكانت مرحلة الغلام زراعة للرحمة, حيث أنه يصبح قادرا على تحديد متى يقسو من باب الرحمة, ولا يدرك ذلك الصبي عادة.
إني عبد الله:
إننا في تربيتنا لأبنائنا, علينا أن نزرع فيهم الحرية والكرامة, فإن زرعنا في قلوبهم وصدورهم عقيدة التوحيد, حتى ليعلموا أنه لا إله بحق إلا الله, وأن عليهم أن يعبدوه فلا يشركون به شيئا, وألا يطيعوا أحدا غيره سبحانه, حتى إن كانوا آباءهم أو معلميهم, فإننا بذلك ننشئ جيلا حرا مستقلا كريما, عبدا لله , وليس عبدا لأحد من الخلق, ولا لشيء من المخلوقات.
فهناك من يعبد المال, يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام:(تعس عبد الدينار. تعس عبد الدرهم)
وهناك من يعبد شهواته (أخلد إلى الأرض واتبع هواه) ,
وهناك من يعبد الحكام والملوك, فيطيعهم في معصية الله,
وهناك من يعبد معلمه وأئمته, يقول الله على الذين كفروا من بني إسرائيل: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم) فلما سمعها أحد الصحابة الذين كانوا نصارى قبل الإسلام قال لرسول الله: (يا رسول الله لم نكن نركع لهم أو نسجد لهم) قال صلّى الله عليه وسلم: (ألم يكونوا يأمرونكم فتأتمرون, وينهونكم فتنتهون؟) قال الرجل: بلى, فقال (فتلك عبادتهم) أو كما قال.
أي أن عبادة الله بالحق, تتمثل في طاعته واتباع الشريعة والأمر والنهي الذي أمر به ونهى عنه. حين نربّي أبناءنا على ذلك, فإننا نقدم للدنيا شبابا مستقلا حرا مربوطا بحبل الله لا يعصيه, ولا يطيع أحدا في معصيته سبحانه وتعالى.
ولكي تزرع هذه العقيدة في قلب ابنك, فإنك لابد أن تؤكد في كل مناسبة, أن ما تأمره به إنما هو من أمر الله, وتؤتي له بالشاهد من كلام الله وسنة رسوله ما يؤصل أمرك له, وإن استطعت فلتفتح أمامه كتاب الله, وتقرأ عليه منه الآيات التي تؤكد ما تقوله, أو من حديث رسول الله, أو من كتب فقه سنّته صلّى الله عليه وسلم, حتى يربط في وجدانه بين كلام الله وسنّة رسوله, وبين الأوامر والنواهي والأعمال, وحتى يشعر أننا لا نتصرف كما يحلو لنا, وإنما شهادتنا ألا إله إلا الله, تعني أننا لا نطيع أحدا أبدا إلا الله, ولا حتى أنفسنا وأهواءنا, ولا نقول كلمة (أنا حرّ), فالإنسان قبل أن يشهد هذه الشهادة حرّ في أن يشهدها أو لا يشهدها, في أن يتبع ما يشاء أو لا يتبع, وحسابه يوم القيامة عند الله, أما عبد الله فإنه ليس حرّا في التصرف من نفسه ومن هواه, وإنما هو حرّ من كل ما سوى الله, حرّ من اتباع غيره, عبد للّه وحده لا يشرك به شيئا (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا)
وعليك ألا تخجل كأب أن تبدي خطأك وأن ترجع إلى الحق إن وجدت في كلام ابنك ما هو خير من كلامك, وأن تضرب له المثل حتى لا يكابر في الحق, فإن الله يؤتي الحكمة من يشاء, وقد فهم سبحانه سليمان حكما أفضل من حكم أبيه داوود عليهما السلام.
آتاني الكتاب وجعلني نبيا:
وقد آتانا الله الكتاب وأورثناه كما آتى عيسى عليه السلام, وإنما آتى الأنبياء كتبه بواسطة روحه الأمين جبريل, ثم أورثنا هذه الكتب عن طريق خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين. ولا نبي بعده, ولا رسول, وإنما أمّة وارثة, تأخذ هذا الميراث فتنبّئ الناس به, ويكون كل مخلص مؤمن منها رسول رسول الله إلى الناس. فرسالة الله محفوظة في كتابه الكريم, ونحن وأبناؤنا مكلفون بتبليغها إلى الناس, وهو نفس دور أنبياء الله ورسله.
والغلام في هذه السنّ, يقوم بالدور الذي قام به أنبياء الله, فينبئون الناس عن ربهم, وعن كتابه ورسله.
وفي مواضع أخرى من القرآن يصف الله عيسى عليه السلام بأنه رسوله (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يَـٰبَنِىۤ إِسْرَٰۤءِيلَ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم) ولكنه في سورة مريم يتحدث عنه بصفته نبيا, ودور النبي مختلف عن دور الرسول, فالنبي ينبئ الناس عن ربه, والرسول معه تعليمات وأمر ونهي. ولكن دور عيسى عليه السلام في سورة مريم دور من ينبئ عن الله وملكوته وأسمائه وصفاته والصلاة والزكاة.
وهذا الدور يمكن أن يقوم به الغلمان في مرحلة البلوغ, فيكون حديثهم عن الله, وعن العقيدة وملكوت الله. وغيرهم يتحدثون في توافه الأمور وما لا طائل من ورائه, وعن الجنس ومباريات الكرة. ولكن ورثة الكتاب يتحدثون عن ربهم بما تعلموه في سنين صباهم الأولى, وبما قرأوه من كتاب ربهم.
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ:
والبركة هي الاتساع والنماء, أي التأثير الأفقي في كثير من الناس وكثير من الأشياء, والتأثير الرأسي وهو عمق ذلك التأثير فيهم.
إن أبناءنا حين نعدّهم لميراث كتاب الله, ومسئولية تبليغ رسالة الله إلى الناس, فإنهم لا بد أن يربوا على توسيع دائرة تأثيرهم, فيؤثرون على كثير من الناس, وحين يؤثرون فإن تأثيرهم يكون عميقا. فهذه صفة أساسية في حملة الدعوة إلى الله. وهذا التأثير الواسع أفقيا, والنامي رأسيا, هو البركة.
وحين قال الله على لسان عيسى عليه السلام: (وجعلني مباركا أينما كنت), فإنه بذلك يشير إلى هذه الصفة الأساسية في حملة الرسالة.
فلابد أن يربّى الغلام على ألا يكون منطويا منزويا معزولا عمن حوله وعما حوله, ولكن صفة المباركة فيه تجعله يشارك في الأحداث ويؤثر فيها.
وعليك أن تراقب ابنك في اختيار أصدقائه, وتلاحظ أخلاق أصدقائه, وتعلمه كيف يختارهم, وكيف يكون ذا تأثير عميق عليهم بالحق وبالكلمة الطيبة, وبالأسوة الحسنة, وبالدعوة إلى سبيل الله. وكيف يرشّد نفسه ويأخذ من أصحابه أفضل أخلاقهم وطبائعهم, وينقل لهم أفضل أخلاقه وطبائعه.
كما أنه لابد أن تراقب أبناءك في طباعهم فلا تكون منفّرة لمن حولهم, وأن تربيهم على حسن المعاشرة والمخالقة, والبعد عن الفظاظة وغلظة القلب, وعن الكذب والغيبة والنميمة , وعن السخرية من الآخرين, وتربيهم على اللسان العف والعين الغاضّة عن محارم الناس, حتى يتقبلهم الناس في بيوتهم ويأمنونهم على محارمهم وأسرارهم, فتتعمق علاقاتهم بهم, ويتمكنون من التأثير القوي العميق فيهم, ويحظون على ثقتهم وتلك كلها من البركة والمباركة.
وأن تربيهم على عدم التكبر على عباد الله بعلم أو بثروة أو بمكانة اجتماعية أو سياسية..
وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا
ويوصى بذلك الغلام في هذه المرحلة حتى يعتاد عليها, فتلازمه طوال حياته, وتربطه بالله عز وجلّ. وقد علمنا رسولنا عليه الصلاة والسلام لأولادنا: مروا أولادك بالصلاة لسبع, واضربوهم عليها لعشر, وفرقوا بينهم في المضاجع. وهذه كلها من التوصية بالصلاة والزكاة, ومن البركة حيث أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
في هذه المرحلة من العمر, مرحلة الغلام, يكثر لهو الطفل ولعبه مع أصحابه وانشغاله بهم, فعليك أن توصيه بالصلاة على وقتها, فهي أحب الأعمال إلى الله, فلا يتلهّى عنها باللعب واللهو, وإنما في محافظته عليها زراعة للالتزام أمام الله, وتجسيدا لمعنى كلمة (الله أكبر) حيث يترك الإنسان كل ما في يديه استجابة لنداء المنادي للصلاة بها, ولا يتعوّد على أن يسمعها وكأنه لم يسمعها. والتزامه أمام الله, يزرع فيه التزامه أمام الناس
كذلك يبدأ في هذه المرحلة من العمر, أن يكون للطفل مصروف خاص به, يتصرف فيه كيف يشاء, فعليك أن تعوّده على أن يخصص جزءا منه ولو يسيرا حقا للسائل والمحروم, فيتربى على الإحساس بالزكاة ودورها في التكافل الاجتماعي ومعاونة الضعفاء والمساكين وأصحاب الحاجات.
ووسّع معنى الزكاة لديه, بأنها تشمل المال وغير المال: وفيما تعلمناه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له, ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له), وظلّ صلّى الله عليه وسلم يعدد من أصناف الفضل حتى ظن الصحابة أن لا حقّ لأحد منهم في الفضل…. والفضل هو كل ما زاد عن حاجتك الأساسية, من طعام أو شراب أو ملبس أو لعبة. يتعود الغلام على الجود بما لديه من فضل, على من يستحقه, فيتربى بآداب الزكاة ويظل على هذه التربية والغراس ما دام حيّا.
في وصية لقمان لابنه وهو غلام: (يابني أقم الصلاة واأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور, ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور, واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير).
وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا
وأول من يجني ثمار هذه التربية هي الأم, فيبرها ابنها الذي ربته على هذه الأخلاق والصفات,
وبالتالي لا يجعله الله جبارا على أمه ولا على الناس,
وقد زرعت الرحمة فيه فلا يكون شقيا, فلا تنزع الرحمة إلا من شقي. والشقي هو الذي يلقى نزاعا, وهو خائب الرجاء, وهو الضالّ , وكيف يأتي شقاء لمن كانت صفاته مثل صفات أنبياء الله ورسله, ولمن يتربى وينشأ على كتاب الله وسنة رسوله.
أما من لم يتربّ على ذلك, فإن زراعة شيء من ذلك فيه على الكبر مسألة غاية في الصعوبة, أو شبه مستحيلة. فيكون ضالا في منازعة مع نفسه ومع الناس.
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
إن طفلك يكون السلام عليه يوم ولد, بإخلاص النية عند ولادته لله في تربيته على هذه المبادئ والأخلاق, ولهدف أن يكون وارثا لكتاب الله ومسئوليات رسله
فإن نفّذت فعلا هذه التربية فيه, وغرست فيه هذا الغراس الطيب الطاهر, يعيش بين الناس في سلام, لا يصطدم بعباد الله الصالحين, ويتجنب إساءة المسيئين, فيكون السلام عليه يوم يموت, حيث يذكره الناس بالخير, ويموت على الفطرة, في رضى الله الذي اتقاه طوال مشوار حياته,
وبالتالي , وكنتيجة لفضل الله ورحمته وجزائه الإحسان بالإحسان, فإنه يبعثه حيا يوم القيامة في سلام, فيدخله الله الجنّة بفضله,
والسلام عليه يوم ولد, ويوم يموت, ويوم يبعث حيا, اللهم اجعلنا منهم يارب.
ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون
كما يتخرّج الطفل من هذه المرحلة من العمر, وفي هذه المدرسة المبنية على الإخلاص لله, وتسير على منهاج الله وكتاب الله, يتخرّج داعية إلى الله وإلى عبادة الله وحده لا شريك له, فيقول للناس:
(وإن الله ربي وربكم فاعبدوه, هذا صراط مستقيم)
وصدق الله العظيم, فهذا فعلا صراط مستقيم, ومنهاج قويم في تربية الأبناء بصفتهم وارثين لكتاب الله داعين إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة.