الأرض معدة للاستثمار, فمنذ أن خلقها فى يومين ، (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) بصرف النظر عن عقيدة أو جنسية هؤلاء السائلين ، فنشط ناس وكسل ناس ، فاختلفت مستويات المعيشة والتقدم .. ومن ثم القوة .
ثم خاطب الناس (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ(10)
واستنفرهم لاستكشاف هذه المعايش، واستغلالها ، كتعبير عن شكر الله سبحانه فقال (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ).
فهذه أرض جرداء ، يحركها انسان بفأسه .. ويوصل لها الماء من مطر أو بحر أو بئر ، ويرمى فيها البذر فاذا هى اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج .
وتلك صحراء قاحلة ، يبنى فوقها انسان مصنعا ، ويوفر فيه خط الانتاج والطاقة والعمال والخامات ، فتصبح مصدرا لمعايش له.. ولمن يورد له الماكينة.. والطاقة.. والخامة ، ومن يدير ذلك كله .. ومن يبيعه.. ومن يشتريه.. ومن ينقله ويستعمله ، ويرفع مخلفاته ويعيد تشغيلها.
بل وينتج عن هذه الحركة أرزاق لمخلوقات أخرى من حيوان وطير وحشرات ونباتات .
وهيأ لنا عمارة الأرض فقال على لسان صالح (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)
وسخر الله للإنسان كل الامكانيات ، فى المجال الذي يعيش فيه أو يتأثر به فقال :
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ).. مجال النشاط و حركة الحياة.
(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ والرزق تشترك فيه السموات والأرض ، السماء تمد بالماء ، والأرض تخرج من الثمرات ، كل ذلك بأمر الله.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) يصنعها الإنسان ويجريها فى البحر بأمر الله وقوانينه.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)) للرى الدائم + الشرب + الصيد + حلية تلبسونها + النقل .(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ) الطاقة + الضوء + النور.
(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33))…(وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ) بعضا من طلبات الانسان .
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) و هى تشمل مالم يذكر ومالا يمكن أن يحصى .(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ) .. لا يعطى الأمور حقها.
( .. كَفَّارٌ (34))[4] يحجب النعم فلا يستغلها ولا يستثمرها ولا يشكر منعمها .ويظل الانسان يستثمر فى الأرض ، ويستعمره الله فيها ، حتى يصل الى قمة ذلك قبيل قيام الساعة : يقول الحق سبحانه :(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)[5]). إذن فإن الأرض ـ كل قطعة فيها – ستصل إلى قمة زخرفها وزينتها قبل قيام الساعة ، وسيصل أهلها إلى قمة الشعور بأنهم قادرون عليها ، وهذا ينتج عن إمكانيات علمية وفنية غاية فى الضخامة والتطور، نرانا نحقق منها كل يوم خطوات، ومازالت أمامنا خطوات كثيرة إلى قيام الساعة.
وآخذ من هذا ؛ إننى كلما رأيت جزءا من الأرض ليس فى قمة زخرفه وزينته ، أو أن أهل الأرض لم يصلوا بعد إلى قمة التحكم فيه والقدرة عليه ، فإننى استشعر بالمسئولية الملقاة على عاتقى وعاتق إخواني من الناس ، تجاه توصيل هذا الجزء إلى قمة الزينة والزخرف ، وتوصيل أهله إلى قمة القدرة عليه . فإن نحن لم نفعل ؛ فسيستبدل الله قوما غيرنا يفعلون ، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)[6]).
فلماذا نكسل عما نستطيع ؟
وهذا ما أعلق به على وجود عمل غير متقن ، أو مخزن غير مرتب ، أو حسابات غير منتظمة ، أو شوارع غير نظيفة ، أوأرض غير مستغلة ، أو ماكينات غير دائرة ، أو انسان غير مدرب ، أو مال غير مستغل ، أو .. .. .. . وبصرف النظر عن الفائدة السريعة التى ينتظرها من يعمل ، فان هناك مسئولية أمام الله يوم القيامة عن التعمير والتجميل والزخرفة والتدريب ، والعمل الصالح عموما، وهى التى يعمل لها المؤمن ألف حساب ؛ قبل أن يحاسب عليها ، ويشعر بالتقصير ان لم يؤدها .
كما أن هناك أجرا عظيما باقيا يسعى اليه المؤمن على عمله الصالح ، يفوق ، بل لا يقارن بتلك الفائدة السريعة التى ينتظرها العاملون مقابل عملهم ..
ذلك الأجر ؛ الذى يدفعك الى العمل حتى الرمق الأخير ، وحتى اللحظة التى تقوم الساعة فيها فعلا ، والذى عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه : ( اذا قامت الساعة وفى يد أحد منكم غرسة ( أو فسيلة ) ، فليغرسها ) .
.. .. بالله عليك ؛ ما السبب الذى يجعلك تغرس تلك الغرسة ؛ فى هذه اللحظة التى ينشغل فيها الانسان – حتى عن خاصة أهله – ثم أنت تعلم أنها فى اللحظة التالية مباشرة ستكون حصيدا ، هى ومن غرسها والناس أجمعين ؟!!.
ان لم يكن من أجل الأجر المنتظر من الله فلا معنى لها ، ولا داعى لها .
كذلك كل عمل صالح محترم ، بنية محترمة ، من انسان محترم .
[1] فصلت
[2] الأعراف
[3] هود
[4] إبراهيم
[5] يونس