المرجعية الوحيدة المعتمدة لنا هي كلام الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز , وما صح نقله من سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم .
ومعاني الألفاظ نأخذها من استخدام القرآن لها في مواضع أخرى , ثم من استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم لها في حديثه ,حيث كان أبلغ العرب, ثم من معاجم اللغة العربية , باعتبار أن الله تبارك وتعالى أنزله قرآنا عربيا لعلكم تعقلون.
أما كتب التفسير , فسوف نطّلع على ما اجتهد فيه المفسرون – جزاهم الله خيرا , دون الوقوف عنده , مع استبعاد كل ما جاء فيها دون استناد إلى المرجعية المعتمدة أعلاه.
يقول الحق سبحانه : “نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ(3)يوسف
فى تفسير ابن كثير لهذه الآية من سورة يوسف ذكر الآتي:
ومما يناسب ذكره عند هذه الآية الكريمة المشتملة علي مدح القرآن وأنه كاف عن كل ما سواه من الكتب ما رواه الإمام أحمد: حدثنا شريح بن النعمان انبأنا هشيم أنبأنا مجاهد عن الشعبي عن جابر بن عبدالله أن عمر بن الخطاب أتي النبي صلي الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه علي النبي صلي الله عليه وسلم قال فغضب وقال “أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه والذي نفسي بيده لو أن موسي كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني”
وروى حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصار ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون. (والتهوُّك التحيُّر).
وهذا يؤكد أن القرآن كاف لسرد كل ما يريد الله أن يقصه علينا , بلا زيادة ولا نقص . وأن ما لم يقصصه الله علينا إنما هو لحكمة يراها سبحانه , و بالتالي لا نبحث فيه ولا فائدة لنا فيه . ولا نأخذ من أهل الكتاب ولا من كتبهم وعلمائهم , فنحن منهيون عن ذلك تماما ,وهذا مما يغضب رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
ولو أن الأخذ من أهل الكتاب مسموح به , وهو هدى للناس, لكان رسول الله أول الآخذين منهم , ولكان قد جمع صلى الله عليه وسلم كل أهل الكتاب في المدينة وما حولها , وجالسهم وأخذ منهم ,
ولكن ما حدث هو العكس تماما , كانوا هم يأتونه ويسألونه , ويجيبهم الله على لسان رسوله بقول الله: ويسألونك , وهي متكررة في كتاب الله مرارا.
ولم ينم إلى علمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ من أهل الكتاب شيئا أو نقل عنهم شيئا , رغم نزول الآية: “فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ(94)يونس
وقد أنزلت سورة يونس في مكة بعد نزول خمسين سورة على رسول الله , ونزول سورة واحدة منها كافية بأن تؤثر في كفار قريش وتدعوهم إلى الإيمان بالله دون شك , فما بالنا برسول الله ,وهل كان في شك كل هذه الفترة؟ إن هذا لا يمكن أن يحدث أبدا لأحد الصحابة , ولا يقبل من مسلم شهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , فكيف برسول الله , عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم. وهذا مما يعزز قول القرطبي. الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره, أي لست في شك ولكن غيرك شك. قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد: سمعت الإمامين ثعلبا والمبرد يقولان: معنى “فإن كنت في شك” أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك
وفى تفسير ابن كثير :قال قتادة بن دعامة بلغنا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال “لا أشك ولا أسأل “. وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري وهذا فيه تثبيت للأمة وإعلام لهم أن صفة نبيهم صلي الله عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب كما قال تعالى “الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل” الآية. ثم مع هذا العلم الذي يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم يلبسون ذلك ويحرفونه ويبدلونه ولا يؤمنون به مع قيام الحجة عليهم.
والآية لا تشير بالضرورة إلى الذين أوتوا الكتاب , ولكن للذين يقرءون الكتاب من قبلك. وهي تفيد الاحتمال فقط فحرف إن حرف امتناع عن امتناع , أي إن كنت في شك فاسأل , وإن لم تكن في شك فلا تسأل .
ولا يمكن تصور أن رسول الله كان في شك مما أنزل الله إليه والجدير بالذكر أنه كما هو معلوم لكل مسلم مؤمن بالله , فالقرآن لا تنقضي عجائبه , ولا تنفذ معانيه إلى يوم القيامة , لهذا فأنا لا أدعى فهم القرآن ولا أقول بذلك , ولكنني أدّعى محاولة تدبُّر آياته ومحاولة الوصول إلى معانيه , وهو ما أمرنا الله به بقوله ” أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ” وقال سبحانه : أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” كما قال سبحانه ” ولقد يسرنا القرآن للذكر , فهل من مدَّكر”.
وأعتقد أن كل من تعرض لتفسير القرآن لابد أنه قد وقف على بعض الآيات , فلم يدرك معانيها , فاضطر إلى أن يلجأ إلى الكتب السابقة للحصول على ما لم يستطع تفسيره , وهو بذلك يخالف ما نهى عنه رسول الله فيما سبق من الحديث أعلاه.
وفي حديث رسول الله ” بلغوا عني ولو آية , وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج , و من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” البخاري 1357
فإذا قال الله سبحانه لرسوله الكريم : وإن كنت من قبله لمن الغافلين , فمن باب أولى , فكلنا ومن سبقونا كانوا من قبل القرآن من الغافلين , وأن الوسيلة الوحيدة الآمنة والمسموحة لتدبر القصص وفهمه , والمصدر الوحيد المعتمد هو هذا القرآن , حيث يقول الله :” بما أوحينا إليك هذا القرآن”: , وأن الله سبحانه فقط هو الذي يقص علينا أحسن القصص .
وتأييدا لهذا الرأي , في سورة الكهف يقول الله : نحن نقص عليك نبأهم بالحق ” , ويقول جل شأنه : فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا , ولا تستفت فيهم منهم أحدا “
أبعد ذلك يلجأ أحد إلى غير كتاب الله في البحث في القصص؟
والسؤال هنا , هل فعلا يمكننا أن نفهم – أو قل أن نتدبر- كتاب الله دون اللجوء والاستعانة بكتب السابقين؟ هذا ما سأحاوله بإذن الله , والله المستعان.
وما سأكتبه هنا يمثل فهمي الخاص للآيات , ولا ألزم أحدا بقبوله , بل على العكس فإنني أعتز برأي من يصحّح ما قد أخطئ فيه بغير عمد ولا قصد , وأدعو له بالخير حيث يوصيني بالخير كما أمر الله
وأسأل الله التوفيق والسداد وأن يجعلنا من الراشدين.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا , وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب