كيف تعرف أنك وصلت بأولادك إلى الثمرة التي نويتها في البداية؟
كيف تقيس نتائج التربية؟
بعد أن استعرض الله سبحانه مراحل عمر الإنسان من الطفولة في يحيي وعيسى, إلى الشباب في إبراهيم وموسى, إلى الحكمة في إسماعيل وإدريس, ختمها الله بقوله في إدريس: ورفعناه مكانا عليّا. وبين الصفات التي يجب زراعتها أو جعلها في كل مرحلة من حياة أبنائنا الذين نعدهم ونؤهلهم لميراث الكتاب, جمع الله سبحانه آثار هذه التربية عليهم فقال:
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)
إنهم يستجيبون لآيات الرحمان إذا تتلى عليهم, خرّوا سجّدا وبكيّا. استجابة لها, وتأثرا بها. هم الآن مستعدون لتلقّي آيات الرحمان, والتأثر بها والعمل بها, والدعوة إليها.
وكما نأتي بطفل لا يعلم اللغة الألمانية, ثم نعلمه هذه اللغة, حتى إذا تعلمها فإنه إذا تتلى عليه أية نصوص من هذه اللغة, فإنه يفهمها ويتأثر بها.
وكما يدرس طالب في كلية التجارة قواعد التجارة وعلومها, فإذا تتلى عليه بعد ذلك نصوص في نفس التخصص, فإنه يعيها ويتأثر بها ويعمل بها, وكذلك في أجهزة الكمبيوتر أو الحاسب الآلي, فإن الإنسان جاهل بها, حتى إذا تعلمها فإنه يسمع ألفاظها وتعبيراتها فيعيها ويفهمها.
ولله المثل الأعلى, فهو سبحانه يؤهلنا لتلقي آياته بهذه التربية والإعداد والصفات.
فيسهل بعد ذلك التلقّي مباشرة من آيات الرحمان, وتكون العلاقة مباشرة بين الإنسان المؤمن وبين كتاب ربّه.
تخاصم اثنان من أبنائي, وتقاطعا يومين. فقلت لأحدهما: لقد مرّ الآن يومان على خصامكما, وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث, يلتقيان فيُعرض هذا ويعرض هذا, وخيرهما من يبدأ بالسلام. فقال: ولكني مازلت غاضبا منه, ولن أصالحه. فقلت له: لا… إنني أربيك منذ ولادتك على طاعة الله ورسوله, فإذا أتيت إليك وأنت في سن الثانية عشرة, فقلت لك: قال الله, أو قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم, فإنني لا أنتظر منك إلا أن تقول: سمعنا وأطعنا, وتطيع دون تردد ودون مراجعة.
هذه هي النتيجة التي تقيس بها الوصول إلى أهداف منهاج التربية. إذا تُتلى عليهم آيات الرحمان, خرّوا سُجّدا وبُكيّا. وانتهت المشكلة.
وإن لم نؤهل أولادنا لتلقي آيات الرحمان, فإنهم لن يتأثروا بها ولن يخروا سجدا وبكيا حين سماعها.
وهناك من الناس من لا يعي ولا يفهم ولا يعتبر بآيات الله, هؤلاء يصفهم الله في سورة الجاثية بقوله:
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)
علامة الوصول إلى ثمرة التربية
المقال السابق