بسم الله الرحمن الرحيم
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)
انتصر المسلمون في غزوة بدر, فطالب المقاتلون من الشباب حملة السيوف والرماح بالأنفال التي خلّفها جيش المشركين, وطالب بها الشيوخ الحامون لظهور المقاتلين. إن ما يتخلف نتيجة للانتصارات هي أنفال, أي أنها عطية طوع من الله, ليست بواجبة وليست حقا للمقاتلين. ولو شعر المقاتلون أنهم هم الذين حققوا تلك الانتصارات بجهودهم وحسن أدائهم في الحرب, فسوف يترتب على ذلك الكثير من السلبيات والكبر والطمع فيما هو أكثر من الأنفال, ربما أطماع سياسية واجتماعية ومالية, وتعالي على بقية المجتمع, ونرى ذلك في شكل فوضى وهرج ومرج واستيلاء على الثروات والمصارف والافتراء على عامة الناس المنهزم جيشهم, والاعتداء على حرماتهم ونسائهم وأطفالهم, وترويع الآمنين.
إنّ حكم الأنفال مختص به الله ورسوله، يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته, ويمتثل الرسول أمر الله فيها، وليس الأمر في قسمتها مفوّضاً إلى رأي أحد.
إن الله يبين ويذكر عناصر أدت إلى الانتصار لم تكن من فعل المقاتلين, وكان يمكن بغيابها أن تتحقق الهزيمة. حين يعلن الله سبحانه ويثبت أن الأنفال لله والرسول, فهو يأخذ الأنفال من أيدي الجميع, فليس لأحد الفضل ولا الحق فيها إلا الذي وفر أسباب الانتصار, وهو الله وحده لا شريك له. وبناء على نسبة الأنفال لله والرسول, فلينتظر الجميع كيف سيوزعها الله والرسول.
.. وبذلك ينقذ الله المؤمنين من أخطر عناصر الفشل والهزيمة, من عدو أكبر من العدو الذي واجهوه, وهو فساد ذات البين, وظهور الخلاف والشقاق بينهم, فينهار بناؤهم من الداخل. وكما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (إن فساد ذات البين هي الحالقة, لا أقول تحلق الشعر, ولكن تحلق الدين).
هذا؛ وللمؤمنين صفات في هذا الموقف وتلك الظروف, لابد أن يتحلوا بها:
● (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) إن المؤمنين في هذا الظرف, لابد أن تكون قلوبهم يقظة وجلة من ذكر الله, في وقت يمكن للقلوب أن تنصرف عن ذكره,
● (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا…) أن تكون قلوبهم وأسماعهم مفتوحة لآيات الله فتزيدهم إيمانا,
● (.. وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)) فلا يتكلون على كثرتهم أو قوتهم, أو حسن تفكيرهم أو ما حققوه من نصر.
● (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ…) إنهم يهتمون أساسا بإقامة الصلاة لتثبيت الصلة بين الله والناس, والصلة بين الناس بعضهم البعض, فيقيمون وجوههم عند كل مسجد, ويجتمعون بصفة منتظمة. ويضعون جباههم وأنوفهم وأيديهم وأرجلهم على الأرض سجودا وخشوعا وذُلا لربهم الأعلى سبحانه.
● (.. وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)) كما أنهم يبذلون لله, فينفقون مما رزقهم الله, ولا ينتظرون مكافأة على عملهم وجهادهم إلا من الله سبحانه.
● وتهون مكاسب الدنيا كلها أمام درجات يمنحهم الله عنده, ومغفرة ورزق كريم. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4).
وهكذا برّأ الله المؤمنين من أن يكون هدفهم من القتال هو الغنائم والأنفال, بل إنهم يسعون إلى ما عند الله من مغفرة, ومن رزق كريم, والمغفرة تسبق الرزق, وهي أهم وأعلى منه.
بذلك فإن القتال الذي كتبه الله على المسلمين لا يستهدف الاستيلاء على مقدّرات وممتلكات العدو, ولكنه يستهدف كسر شوكته, ورده عن الظلم والافتراء والطغيان, وعن صد الناس عن دين الله, ومحاولة إطفاء نور الله والظهور عليه؛ فإن انتهى العدو عن ذلك, حتى وإن ظل أفراده على كفرهم وشركهم, فلا عدوان إلا على الظالمين, ولا إكراه في الدين.