بعد أن وضع الله أهداف القتال للمؤمنين, وآداب القتال ومعاملة العدو في كل مراحله بدءا من الحرب الباردة إلى العمليات العسكرية, إلى معاملة الأسرى, فإنه سبحانه ينشئ قواعد التحالف بين المؤمنين في دولتهم, وبينهم وبين المؤمنين في دول أخرى.
- تجميع الذين آمنوا استعدادا للمعركة الفاصلة بين فئة تقاتل في سبيل الله وفئة كافرة (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ..) وهم ما بين مهاجر مجاهد بالمال والنفس في سبيل الله, وبين مناصر له مستقبل له, فيتلاقى المؤمنون على سبيل الله, وتتجمع قواتهم.
- ومن قرر القعود عن الهجرة ليس لهم ولاية مع المؤمنين حتى يهاجروا(.. وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا..)
- إلا في حالة أنهم يظلمون ويضطهدون بسبب دينهم, فعلى المؤمنين المجتمعين نصرتهم (.. وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ..)
- غير أن المواثيق الدولية بين دولة الإسلام ودول أخرى, تُحترم وتُبدّى على ما قد يحدث في الدول الأخرى من مشكلات مع المؤمنين فيها, فتلك يتم حلها بالقنوات السياسية (إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
- يتجمع الذين كفروا وينشئون ولايات فيما بينهم, فتزداد قوتهم عددا وعُددا, وليس أمام ذلك سوى أن يتجمع الذين آمنوا فتزداد أسباب قوتهم واستعداداتهم, فينصرهم الله على عدوهم, وإلا: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) كما هو حادث الآن, كما قيل: (وإنما نفعهم تجمّعهم على الباطل وتفرقنا على الحق)
- وصفات الإيمان هنا لا تقتصر على الخشوع في الصلاة وعلى صفاتهم في سورة المؤمنون, وإنما تمتد بعد ذلك إلى التناصر والجهاد في سبيل الله(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
- ويفتح الله سبحانه الباب لمن تخلف أن يلحق بالذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا, فيقبلهم ويوصي باعتبارهم من المؤمنين, مع رفع شأن أولي الأرحام خاصة (وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
صدق الله العظيم
خلاصة القول في سورة الأنفال:
- إن سعي الذين آمنوا لتأسيس دولهم على أساس أن يكون الدين فيها لله, أي إخضاع نظامها وقوانينها وأنظمتها وشرائعها لدين الله والخضوع والولاء له, وإعلاء كلمته في بلادهم, إنما هو واجب ديني لا يقوم به أحد إلا هم, وبه تقوم لشريعة الله دول, وإلا فإن الذين آمنوا يكونون مفرطين في حق الله وفي الأمانة التي كلفهم الله بها, ولا ينفعهم عندئذ إيمانهم السلبي الذي لم يكسبوا به خيرا, وتبقى حرية الاعتقاد مكفولة لمواطنيها فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
- كتب الله علينا كدولة إسلامية وكأفراد فريضة القتال في سبيل الله, دفاعا عن النفس والأرض والعرض والدين والمال, ضد من يقاتلوننا, والذين أخرجونا من ديارنا.
- إن الله سبحانه يخلص نيات المؤمنين في القتال في سبيله ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون, وليس سعيا للحصول على غنائم أو ثروات, فإن تحقق من القتال أنفال, فهي لله وللرسول, ويثبت الله أنه وحده هو الذي سبب كل أسباب الانتصار, وبالتالي فهو وحده الذي يوزع الأنفال المتخلفة من الذين كفروا المعتدين المحاربين, فيقررها الله بشريعته وينفذها بسنة نبيه, وبما يراه بعد ذلك الإمام أو القائد, وليست على سبيل الاستحقاق للمقاتلين الذين قاتلوا غير مستهدفين لغنائم, وإنما قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا, فإن نالهم شيء من الأنفال فهو غنيمة لهم, بعطاء الله لهم.
- الهدف من مقاتلة الذين كفروا هو ردهم إلى الحق, بعدم الاعتداء, وإسماعهم آيات الله, وفي كل مرحلة من مراحل الصراع, بدءا بالحرب الباردة, إلى المواجهات العسكرية, فإن الفرصة متاحة للجنوح للسلم, وحقن الدماء وإتاحة الفرصة للتفاهم السلمي.
- واجب على الدول الإسلامية أن تتحالف وتتجمع في تجمعات دولية تنتهي بوحدة الصف والهدف وتكوين ما يمكن تسميته (الولايات المتحدة الإيمانية) حتى يكون الدين كله لله, أي يكون الخضوع لله ولشريعة الله في كل بقاع الأرض ودولها, تقيم لله في أرضه قوة تناصر الحق, فإن فعلوا فستكون كلمتهم مسموعة, ويعمل لهم ألف حساب, كما كان في الدولة الإسلامية التي تأسست في المدينة المنورة, والتي انتقلت سلطتها إلى الشام في الدولة الأموية, ثم إلى العراق في الدولة العباسية, ثم إلى تركيا في الدولة العثمانية, وكما كان بالأمس للإمبراطورية البريطانية, وكما هو حادث اليوم للولايات المتحدة الأمريكية, ولقوى التحالف الدولي, (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض, إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)
- وأقل ما ينبغي قبوله من أية دولة غير إسلامية من دول العالم, هو أن تُمكّن المؤمنين فيها من إقامة صلاتهم واستقبال قبلتهم, وذبح ذبائحهم على شريعة الله, فيتمكنون من الطعام والشراب بما أحله الله لهم, وفي ذلك اعتراف بعقيدتهم بأنه لا إله إلا الله.
- فإن منعت دولة من الدول, المؤمنين في أرضها (سواء كانوا من رعاياها أو من رعايا دول أخرى) من هذا الحد الأدنى, فهي تضعهم في حرج أمام التزامهم بدينهم, وممارستهم لشعائرهم وإعداد طعامهم الذي يتقوتون به, فتكون فتنة لهم.
- هنا لابد للدولة الإسلامية المؤمنة القوية القادرة, أن تمنع الدولة الكافرة التي تفعل ذلك بأية وسيلة, بما في ذلك القوة العسكرية والقتال دفاعا عن حرية ممارسة العقيدة, (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ..) وفي الحديث(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, ويقيموا صلاتنا ويستقبلوا قبلتنا ويذبحوا ذبيحتنا, فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها, وحسابهم على الله), وقد كان ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم, في مواجهة الدول الأخرى, وليس في مواجهة المواطنين المشركين أو غير المؤمنين.
- فإن كان بين الدولة الإسلامية وبين دول غيرها ميثاق, فإن الميثاق يُحترَم, فلا اعتداء عندئذ, ولا مناصرة للمؤمنين المعتدَى على دينهم (.. فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق..)
- وعندئذ فإن المؤمنين في تلك الدولة يكونون مستضعفين, لا يتمكنون من ممارسة شعائرهم وإعداد طعامهم وذبائحهم, فعليهم أن يهاجروا في أرض الله الواسعة, بأموالهم وأنفسهم, وعدم فعل ذلك يعتبر كبيرة من الكبائر, لا يستثنى منها إلا أصحاب الأعذار ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا, كما سيأتي بعد ذلك في القرآن المدني.
- وعلى الدول الإسلامية أن تستمر في حوارها مع الدول التي بينها وبينهم ميثاق, في أن تسمح بحرية ممارسة الشعائر الدينية, وحرية العقيدة, وألا تضعهم في مواضع الحرج من دينهم, وذلك بالحوار والمحاولة السلمية التي يقتضيها الميثاق ) بأمر بالمعروف ونهي عن المنكر, ونصيحة, وتغيير للمنكر باللسان.
- وعلى المؤمنين في البلاد الإسلامية المطبقة لشريعة الله التي تسمح بحرية العقيدة, أن يحسنوا استقبال المهاجرين إليهم من الذين آمنوا, وينصروهم ويوالوهم.
- ويكون العالم عندئذ مقسما إلى فئة تقاتل في سبيل الله, وأخرى كافرة, والباقون بيننا وبينهم ميثاق يحترم كل منا الآخر, ولا يعاديه ولا يخرجه من دياره, ولا يظاهر على إخراجه, ويتيح حرية العقيدة وممارسة الشعائر, وهؤلاء لا ينهانا الله عنهم أن نبرهم ونقسط إليهم كما سيأتي بعد ذلك بإذن الله من آيات الله في القرآن المدني.
- الوضع العالمي سوف يصل إلى المواجهة بين قوى الخير وقوى الشر, عندئذ, من سيقود قوى الخير ومن سيقود قوى الشر؟ ولمن النصر؟ يتبين ذلك من السور التالية تاريخيا لسورة الأنفال, بدءا من سورة آل عمران إن شاء الله.
ماذا يفعل الكافرون عند انتصارهم؟ وماذا يفعل المؤمنون؟
إن الكافرين حين ينتصرون, يفتحون زجاجات الخمور, ويسعون بالسلب والنهب والتقتيل والمظالم في الشعوب المنهزمة. أما المؤمنون فإنهم يؤمنون بأن النصر من عند الله, فتكون الأنفال لله والرسول, ويكون توزيعها بأمر الله وسنته, ويتحلون بأدب الانتصار, وأدب النجاح وأدب الفوز, بنسبتها إلى الله وحده لا شريك له, ومن ثم يكون التصرف بعد النجاح تصرفا إيمانيا, فيه تسبيح بحمد الله على نعمه والأعمال التي وفق فيها, والأسباب التي وفرها جلّ وعلا, كما أن فيه انتقاد للذات, وتحليل لأوجه القصور التي كان يمكن أن تودي بنا إلى الهزيمة, لتجنبها في المستقبل, فيكون الاستغفار لله منها. (إذا جاء نصر الله والفتح, ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا, فسبح بحمد ربك واستغفره, إنه كان توابا)
إن كل المعارك الكبرى, انتصر المسلمون وهم الأقل عددا وعُددا من عدوهم, انتصروا بطاعتهم لله ومعصية عدوهم له.
وحيث أن النصر من عند الله, وأن هناك أسبابا خافية علينا, فإن علينا أن نخلص نيتنا لله في كل سعينا للفوز والانتصار والربح, ولا نتخذ من أسبابها إلا ما يرضي الله وحده.
هذا الإيمان بأن النصر من عند الله, يجعل المؤمنين يطيعون الله فلا يعصونه وهم يطلبون النصر, ولا يذلون لأحد حتى يحققوا النصر والفوز, ويقدمون على تنفيذ أمر الله بالقتال نصرة لله ودينه عند الدعوة إليه, دون خوف أو رجفة, فلا يملكون من أسباب النصر أهم من طاعتهم لله, وإخلاص نيتهم لتكون كلمة الله هي العليا, وإعداد ما استطعنا من قوة, ثم الباقي بعد ذلك على الله, مهما كانت قوة العدو.
وفي غزوة بدر, وغزوة الأحزاب, وفي نصر أكتوبر1973, وفي حرب إسرائيل للبنان عام 2006 الأمثلة في ذلك, وكما قال الله وصدق: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله, والله مع الصابرين), (وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم)