إن الطاعة والالتزام بالشرائع والقوانين, تأتي لأسباب متعددة:
- فمن الناس من يطيع بسبب حبه وإيمانه بالمشرّع أو جهة التشريع, مثل المجالس الشعبية المنتخبة أو مجلس الشورى وسن القوانين, وأنه عدل وحكيم, وأن كل ما يأتي به هو لمصلحة الناس والأمة حتى وإن لم يفهم الحكمة فيه.
- ومن الناس من يطيع بسبب قناعة عقله بما تنص عليه الشرائع وما فيه من المصالح ودرء المفاسد, أي يقبل التشريع بعقله.
- ومن الناس من يتبع ويلتزم بالشرائع والقوانين بسبب أنه يأخذ حافزا وثوابا على الالتزام والاتباع. وأن له مصلحة في تطبيقه.
- ومن الناس من يتبع ويلتزم تحت وطأة الخوف من العقاب. فإذا ضمن هؤلاء أن أحدا لا يراهم, فإنهم يخالفون القوانين ولا يلتزمون بها.
كل هذه أسباب تؤثر كلها أو بعضها في اتباع الناس للشرائع والقوانين
إذن فلكي تضمن إدارة الأمة التزام الناس بالشرائع والقوانين, فإنه لابد من تربية الأمة على كل هذه الأسباب والعناصر للطاعة, على الحب والإيمان بالمشرّع, وعلى إقناع العقل, وتحفيز الناس على الاتباع, وترهيبهم من المخالفة.
أما إن اعتمدت إدارة الأمة على الترهيب والعقاب فقط, فإنها لن تستطيع الهيمنة على الناس تماما, ولن تتمكن من تعيين أجهزة رقابية لمتابعة تنفيذ القوانين واتباع الناس لها, وهي إن فعلت ستكون قد فقدت تأثير وميزة سلطان الحب والإيمان, وسلطان العقل, وسلطان الثواب, وكلها سلاطين نافذة التأثير في كثير من الناس, وهي كلها لا تتكلف ما تتكلفه الأجهزة الرقابية التي لا تمنع جُلّ المخالفات.
وعادة ما تكون القوانين كثيرة متوافرة في كل مجال, ولكن كثيرا من الناس, يتلقون القوانين ليخالفوها لا لينفذوها, وإن ضمنوا أن أحدا لن يحاسبهم على المخالفة, فإنهم يخالفون, ويلجأ البعض إلى الالتفاف حول القوانين, وربما عرض الرشاوى, والبحث عن الواسطة لكي يتفلّتوا من تنفيذ القوانين والنظم واللوائح, بدءا من إشارات المرور, إلى التهرب من الجمارك والضرائب. فما هو سر هذه الظاهرة ؟
وأحسبني قد وصلت إلى الإجابة على هذا التساؤل من تدبّر الآيات التالية من سورة الأعراف. أوضحها فيما يلي:
ولنتصور أن أمة لها مجموعة قوانين وشرائع سليمة عادلة, وأن جُلّ الناس يتبعونها لحب المشرّع, أو للقناعة بالعقل, أو للمنافع المحققة, أو لكل ذلك معا. وأن القليل من الناس هم الذين يلتزمون القوانين والشرائع لخوفهم من العقاب, وأن من يخالف يطبق عليه العقاب أيا كان نسبه وسلطته وموقعه من المجتمع غنيا كان أو فقيرا, حاكما كان أو محكوما. إن أمة كهذه لابد وأن تكون أمة ناجحة ملتزمة منتظمة غير متسيبة, يشعر فيها المواطنون بالأمن والأمان والعدل والمساواة, حتى وإن كانت بعض هذه القوانين غير عادلة تماما, وإنما تطبق على الجميع على قدم المساواة.
إن البلاد التي عاشت لفترات طويلة تحت حكم طاغية, تكون قد اعتادت الطغيان, ومارس عليها الطاغية تأليهه لنفسه وادعاءه أنه ربها الأعلى – كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا. فاعتادت على اتباع القوانين خوفا من العقاب فقط, كما أن القوانين لا تطبق بعدل ومساواة على كل الناس, وإنما الحاكم له كل الاستثناءات, والملأ المقربون منه, وكبراء الناس وأصحاب الأموال والجاه والسلطان, كل أولئك لهم استثناءات من القوانين. والناس لا يؤمنون بالطاغية ولا يحبونه, كما أن الطاغية لا يرهق نفسه في شرح القوانين للناس وإقناع عقولهم بها, ولا يتكلف إثابة الملتزمين. فيفقد بذلك نظام الدولة تأثير كل السلاطين الثلاثة الأخرى للطاعة.
والحياة في جو من الكفر والطغيان يوقع الأمة في كل الموبقات والآفات, فإذا انتهت فترة حكم الطاغية, فإن الناس يكونون قد أصيبوا بالجهل, وبالكفر, وبالكبر, وبالفواحش, وبالفساد. وتعطلت فيهم العقول, والإيمان والحب, وتمنّي الحوافز الإيجابية. فحين يأتيهم نظام جديد يخفف من وطأة العقوبات ويحاول أن يعتمد على إيمان الناس وحبهم, أو على عقولهم, فإنه ليس من اليسير أن يتحول الناس إلى الطاعة تحت تأثير هذه السلاطين, بل إنهم سوف يحتاجون إلى الممارسات الطويلة لمعالجة تأثير الطاغية فيهم وفقدانهم لكل أسباب الطاعة, بما فيها العقاب حيث أن النظام الجديد يحاول التخفيف من وطأة العقاب الذي كان الطاغية يفرضه.
وحين يكلف الله خليفة من الناس بتطبيق شريعته التي أنزلها وفيها تفصيل كل شيء وهدى ورحمة, فإنه لابد أن يبدأ من تنقية الأمة الوارثة, من آثار الحكم تحت الجهل والكفر والكبر والفجور والفساد, وتوجيههم لطريق الله والهداية.
• فإن هم اهتدوا فإن الله يهدي بهم بقية الناس , ويرسلهم برسالات الله إلى الناس , كأمة مسئولة عن دين الله.
• وإن لم يهتدوا, فإن الله يوجههم, بواسطة أنبيائه ورسله إليهم, والدعاة إلى الله على بصيرة, الذين يعملون على نصحهم, وتعليمهم وتهذيبهم,
• فإن استمر عصيانهم ومروقهم, فإن الله يسلط عليهم جنودا من عنده, ويبتليهم لعلهم يرجعون, حتى يرجعوا إلى دين الله والهداية التي أنزلها إليهم, ثم يقومون بعد ذلك بدعوة الناس.
• وإلا فإن تأديب الله لهم يستمر, أو يستبدل من خلفهم من المؤمنين من يقوم على رسالة الله والدعوة إليه,
• إن الله لن يكلف الذين كفروا ولا الكافرين ولا المشركين ولا الضالين بتبليغ دعوته وحمل مسئولية ميراث الكتاب وميراث الأنبياء.
إن آفات البشرية التي عالجتها دعوة الله, وعالجها أنبياؤه ورسله, كانت بالترتيب التالي, في تلخيص وإيجاز:
قوم نوح : العمى والجهل, وادعاؤهم أن به ضلالة
قوم هود : الكفر وادعاؤهم أنه في سفاهة, والتشكيك في صدقه
قوم صالح : الاستكبار على طاعة الله وشريعته, والتشكيك في أن صالحا من المرسلين
قوم لوط : الإسراف والإجرام والفجور والفسوق, وعدم تحمّل نصحه
قوم شعيب : الفساد في المعاملات, الناتج عن الاستكبار والكفر والفسوق, وعدم تحمّل وجود الصالحين المؤمنين
ثم بعث الله من بعدهم موسى بآياته إلى فرعون وملئه, فحاول معالجة فسادهم بدعو الحق وبالبينات والآيات, ثم تدخّل الله فأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذّكرون, ثم أرسل عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم آيات مفصّلات, فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين, وبعد أن تعهدوا بالإيمان والطاعة لو كشف الله عنهم الرجس, نكثوا العهد, فانتقم الله منهم فأغرقهم.
ثم أورث الله قوم موسى الأرض, وبدأ في تنزيل الشريعة ومعالجة آثار حكم فرعون فيهم, والعيوب التي أصابتهم.
واهتداء بذلك, فإن على الدعاة بعد انهيار الطغاة, أن يعملوا على معالجة ماحدث في الأمة من آثارهم. والأمة من المؤمنين أصحاب رسالة الله, عليها مسئولية تبليغ رسالات الله إلى الناس أجمعين, ولهذا فإنها لابد من أن تعالج وتعدّ أولا ثم إن استجابت للإصلاح, فإنها تتوجه إلى الناس كافة لنشر دين الله الحق. وهذا ما تبين من تدبّر ومتابعة الآيات التالية:
الآفات والعلاج
● الجهل بالعقيدة:
وبعد كل هذه النعم والمنن والنجاة من فرعون وقومه, وبمجرد أن أتى بنو إسرائيل على قوم يعكفون على أصنام لهم, قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ(138)
وفي حالة خلوّ ساحة الأمة من التشريع, يبحث الناس عمن يطيعونه, ويتبعونه. وأما المؤمنون, فإن من المفترض أن يتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم, وألا يتبعوا من دونه أولياء. والإله هو المعبود, هو المطاع. ومن يجعل لنفسه إلها غير الله, فإنه سيطيعه ويتبعه.
رُوِي أنه حين نزلت (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ..) قال صهيب الروميّ: يارسول الله لم نكن نركع لهم ولا نسجد لهم. فقال صلّى الله عليه وسلّم: ألم يكونوا يأمرونكم فتأتمرون وينهونكم فتنتهون؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم) أو كما قال. والمعنى أن الطاعة هي العبادة, والإله هو المطاع.
العلاج: ومن هنا تعجّب موسى عليه السلام من طلب بني إسرائيل. قال إنكم قوم تجهلون. وبدأ في تفهيمهم معنى الألوهية والعبودية… إن هؤلاء الذين يعكفون على أصنام لهم, وماهم فيه من عبادة غير الله هو مهلك لهم وعملهم باطل. وبعد التحرر من الحكم المستبد الظالم, لابد من العودة إلى حكم الله وإفراده بالعبادة والطاعة, خاصة وهو فضّل عباده المؤمنين به, والحاملين لرسالته ودعوته للناس, فضلهم على العالمين بتحميلهم مسئولية تقديم وتوصيل الهداية والحق ودعوة الله للعالمين. وذكرهم بأن الله نجاهم من آل فرعون وما فعلوه بهم: (إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(139)قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ(140) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ(141).
● تأهيل الداعية والإمام للحكم بالشريعة:
بإهلاك فرعون رأس الحكم والنظام, انهار النظام فلم يعد هناك من يصونه, ولو أن فرعون كان قد استجاب لدعوة موسى لكان من اليسير أن يعدّل في التشريعات حتى تتطابق مع شريعة الله, من موقع القوة, دون انهيار في النظام. أما وإنه لم يستجب فأهلكه الله وجنوده وملأه, فإن الدولة في هذا الوقت تحتاج إلى شريعة تنظّم حياة الناس وتقيم العدل والحق. وأساس هذه الشريعة الإيمان بحق الله في أن يسود شرعه ويحكم. ويبدأ بناء هذا الإيمان من الداعية الذي يؤهله الله أولا بالعلم, وبالإيمان, ثم بالشريعة: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(142) ويحتاج الأمر إلى فترة استخلف فيها موسى أخاه هارون, وأمره بأن يصلح ولا يتبع سبيل المفسدين, حتى تأتي تفاصيل شريعة الله لهم.
ومن هنا بدأت مرحلة تأهيل موسى لتلقّي رسالة الله وتشريعاته. وأراها- والله أعلم- مماثلة لسورة المزّمّل, التي أمر الله سبحانه فيها رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بقيام الليل إلا قليلا, كآلية من آليات التلقّي من الله, وسنة من سنن الله فيمن يكلفهم بالدعوة, وذلك قبل أن يلقي الله عليه قولا ثقيلا. وقد عمم التكليف بقيام الليل على طائفة من الذين مع رسوله, لقراءة القرآن ودراسته بالليل بالذات. وبالنسبة لموسى عليه السلام, فقد كانت فترة واحدة ثلاثين ليلة وأتممها الله بعشر, فتم ميقات ربه أربعين ليلة. وفي سورة المزمل جاء ذكر موسى عليه السلام بالإشارة فقط (إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا).
وثبت الله موسى عليه السلام بالإيمان به غيبا, فليس مهما أن ترى الله سبحانه, حيث أنك ترى نوره وهدايته وآثاره في خلقه, بل قل إنك ترى به خلقه وتفسر الكون بأنه سبحانه خالقه والمهيمن عليه, أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ(143)
قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ(144) وهنا نلاحظ أن التدرج جاء بنفس الترتيب السابق …
…. من العلم … إلى الإيمان … إلى الشكر.
فقد بدأ الله سبحانه موسى بالعلم بالله, وبالبينات التي أرسله بها, حتى قال عنه الملأ من قوم فرعون : إن هذا لساحر عليم. ثم أوصله الله سبحانه إلى قمّة الإيمان بعد أن جعل الجبل دكا, وخر موسى صعقا, بأن قال عليه السلام: وأنا أول المؤمنين. ثم إن الله سبحانه يأخذه بعد العلم والإيمان إلى أن يأخذ ما آتاه الله, فلا يتركه, وأمره أن يكون من الشاكرين, بأن يعمل به.
وها هي الألواح التي كتب الله لموسى فيها من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء. لتكون هي شريعة الله لبني إسرائيل: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ(145) وأمام نعمة الله لابد من الشكر, بأن تأخذ النعمة بقوة, وتعمل فيها بما يرضي الله سبحانه, وأن تأمر قومك يأخذوا بأحسنها.
● الآفات التي تمنع الأمة من اتباع شريعة الله:
وهناك على الجانب الآخر من يفسق عن هداية الله وآياته. وهناك من يتكبّر, ومن لا يؤمن بآيات الله, بل ومن يكذّب بها ومن يغفل عنها, ومن لايسير في سبيل الرشد, بل يتخذ سبيل الغي سبيلا, وهذه هي آفات الإنسان وآفات الأمم؛ فسق وتكبر وكفر, وتكذيب وغفلة وغي وبعد عن سبيل الرشد. ثم تكذيب بالبعث والحساب والجزاء والثواب والعقاب, أي بلقاء الآخرة, هؤلاء حبطت أعمالهم. ولابد للداعية أن يكون على دراية بأصناف الناس, وآفات عقائدهم وأفكارهم وتصرفاتهم, حتى يعالج فيهم ما يستطيع, وحتى يتجنب ما لافائدة فيه, من يصرفهم الله عن آياته. وهذه التصنيفات من الناس هي:
- الفاسقون: (سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) . الخارجون عن حكم الله وشريعته
- المتكبرون:
• (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) , يعرفون حق الله فلا يتبعونه تكبّرا
• (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا) لا يتعظون بالأحداث الجارية ونسبتها إلى الله سبحانه وربطها بعلاقة الناس بربهم, فلا يؤمنون بها
• (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا) حتى حين يرون سبيل الرشد, لا يتحمسون له ولا يتبعونه.
• (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ) بل إنهم يتخذون سبيل الغي..
• ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
• وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ(146) وهذه هي نفس الأسباب التي أدت إلى انتقام الله من فرعون وملئه. إما بالتكذيب بآيات الله, أو بالغفلة عنها, وفي الحالتين فالنتيجة هي الضلال والتعرض لغضب الله وانتقامه والعياذ بالله. - الكافرون المكذّبون بالآخرة:
• وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(147). وهذه للذين كفروا وكذّبوا بلقاء الآخرة فهم قوم عمون.
هؤلاء سيصرفهم الله عن آياته, فهم لا يستحقون, بما يغلقون أعينهم وعقولهم, ويتكبرون ويفسقون ويكذبون وهم الغافلون, الكافرون المكذبون بلقاء الآخرة, ترى أعمالهم منتفخة وتظنها كبيرة ظاهرة, إلا أنها حبطت كما تحبط بطن الدابة وتنتفخ حين ترعى النبات السام فيحسبها بعض الجهال شحما وسمنة وعافية وصحة, وهي هالكة بالتسمم .
● الكفر والشرك باتخاذ آلهة غير الله:
وهذه آفة أخرى, أن يتخذ الناس إلها غير الله لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا.
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ(148)
وهذه حالة تتكرر بأشكال متعددة في الأمم, حين يتخذ بعض الناس آلهة من دون الله, مثل من يتخذ حاكما أو صاحب جاه أو سلطان, يعبدونهم ويطيعونهم ويظنون أن في أيديهم رزقهم أو حياتهم أو أمنهم, وهذه الآلهة الكاذبة لا تكلمهم ولا تهديهم سبيلا.
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ(149)
هل هذه توبة؟
لم يأت ترتيب الرحمة ثم المغفرة في كتاب الله سوى في موضعين: هذا الموضع من قول قوم موسى, والآية الثانية من سورة سبأ, أما بقية المواضع في الكتاب فكلها يبدأ بالمغفرة ثم الرحمة.
والآية الثانية من سورة سبأ: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ(2)) وفيها ما يلج في الأرض, وما ينزل من السماء, هي رحمات من الله سبحانه, يبدأ بها قبل أن يكون إنسان وقبل أن يكون ذنب, فيتبعها ما يخرج من الأرض, وما يعرج في السماء من أفعال العباد, وفيها التفريط والتقصير والذنوب, وكلها تحتاج إلى مغفرة, إذن حين يذكر الله علمه, ويرتب أحداث الدنيا تاريخيا, تكون رحمة الله سابقة على ذنوب العباد, وبالتالي تأتي صفة الرحيم سابقة على صفة الغفور.
أما الآيات التي بين أيدينا من سورة الأعراف, فهي تتحدث عن قوم موسى واتخاذهم العجل. والملاحظ هنا أن قوم موسى حين رأوا أنهم قد ضلوا, قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا. وكان ترتيب آدم وزوجه, بعد أن ناداهما ربهما وذكّرهما بما اقترفا, قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. كما كان دعاء موسى بعد ذلك, قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك. وصفة الله في الآيات (غفور رحيم) أي أن المغفرة تسبق الرحمة, والاستغفار يسبق طلب الرحمة, ويسبقهما معا الاعتراف بالظلم والإقرار بالمعصية, ولكن في حالة قوم موسى فقد قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين. فهل يعتبر هذا اعترافا بالذنب, وإقرارا بالمعصية, ثم استغفارا وطلبا للرحمة؟ أم أنه انتظار أن يرحمهم الله و يغفر لهم دون أن يعترفوا ويستغفروا ودون أن يطلبوا الرحمة؟
علاج من عمل السيئات:
الآيات التالية تدل على استمرار قوم موسى على اتخاذهم العجل, حيث رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا, ولو كانوا قد عادوا واستغفروا لكان اتخاذهم العجل جرما وذنبا ماضيا, أعقبته توبة ولم يكن هناك داع لغضب موسى كل هذا الغضب حتى ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه, وحتى برر هارون عليه السلام عدم نجاحه في الحفاظ على قوم موسى من الارتداد إلى الكفر, بأن القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه, وحتى قصر موسى دعوته بالمغفرة والرحمة لنفسه ولأخيه دون قومه. كما يدل على ذلك المصير الذي جعله الله للذين اتخذوا العجل.
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ(152)
وهنا يبين الله الطريق لعلاج الانتكاس إلى الكفر, وعمل السيئات: فلابد من التوبة أولا, والإيمان للتطهّر من الذنب, ثم تستجدى من بعدها مغفرة الله, ثم رحمته. حينئذ, وحينئذ فقط, إن ربك من بعدها لغفور رحيم. والإضافة في قول الله: من بعدها, تبين أن مغفرة الله ورحمته تأتي من بعد أن يغير الإنسان ما في نفسه, ويتوب من بعد السيئات, ويؤمن بالله. فلا تصح توبة قبل الذنب, مثل قول إخوة يوسف, اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين. كما لا يصح طلب رحمة الله قبل الاعتراف بالذنب والتوبة منه ثم الاستغفار أي طلب المغفرة, ثم تأتي الرحمة من بعدها.
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(153)
ولا تكرار في قوله من بعدها في الآية, فلو قرأت النص بدون قوله تعالى من بعدها في المرة الأولى, أو في المرة الثانية, أو في الاثنين معا, فإن المعنى لا يستقيم هنا حيث التعليق على ما فعله قوم موسى من ترتيب خاطئ بطلب الرحمة ثم طلب المغفرة, ولهذا فكلمة من بعدها في المرة الأولى تنفي إمكانية التوبة قبل الذنب, ثم كلمة من بعدها في المرة الثانية, تنفي إمكانية أن يغفر الله قبل أن يتوب العبد, ويؤمن, ثم هي ترتب رحمة الله على الذين عملوا السيئات بعد توبتهم وإيمانهم, وبعد مغفرة الله لهم, فتأتي الرحمة بعد ذلك.
● شريعة الله هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون:
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ(154) إذن لكي تطبق الشريعة والقانون, لابد من أن يغرس الإيمان في قلوب الناس, والرهبة لربهم, حيث أنه إن لم تكن الرهبة في القلوب, فإن تطبيق الشريعة سيقتصر على قليل ممن كان رضى الله أحب إليهم من الجنة, والذين يعبدون الله حتى وإن لم تكن هناك جنة ولا نار, وبالتالي فإن الشريعة تكون هدى ورحمة لهم وللمجتمع كله.
حين نزلت شريعة الله على رسوله بتحريم الخمر, أمست شوارع المدينة المنورة بحارا من الخمور التي تخلص منها المسلمون فور سماعهم لحكم الله. حدث هذا بعد خطوات من الإعداد للأمة وبناء الإيمان والإخلاص فيها, فلم يستغرق تنفيذ الحكم أكثر من وقت التخلص من الخمر, ثم يستمر تنفيذه بين المسلمين إلى يوم القيامة, دون الحاجة إلى السلطة التنفيذية والشرطة والقضاء , إنها آيات الله تتلى على عباد الله المؤمنين, الذين هم لربهم يرهبون. فتكون شريعة الله هدى ورحمة لهم.
لهذا فإننا نقول: إن على السلطات الحاكمة أن تعمل على تربية الشعوب على رهبة الله, ثم تستنبط القوانين من شريعة الله, وتعلم الناس بذلك, وبعدها فإن الناس الذين هم لربهم يرهبون, سيطبقون القوانين دون الحاجة إلى ملاحقتهم بالسلطة التنفيذية, وتكون القوانين المستمدة من الشريعة هدى ورحمة لهم.
● السفاهة وعلاجها
بدأ موسى في تدريب المدربين كما يقال, فاختار سبعين رجلا لميقات الله, ليبني فيهم الإخلاص, ويعدهم لتطبيق شريعة الله, في أنفسهم وفي الأمة, وعلى ما يبدو, فإنهم تصرفوا أو قالوا ما يغضب الله عليهم, فأخذتهم الرجفة. والرجفة أخذت الذين استكبروا من قوم صالح, بسبب أنهم عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم. كما أخذت الذين كذبوا شعيبا. ومن هذين الموقفين نعلم الأسباب التي يأخذ الله قوما بالرجفة. فهي إما تكذيب وإما استكبار.
ورغم أن ما أختاره من منهاج في هذه الدراسة يسير بترتيب النزول والثقافة التي بنيت, والمعلومات التي تذكر من بدء التنزيل وحتى الآيات موضع الدراسة, ولكن لمزيد من التعرف على ما حدث لهذه الأمة من قوم موسى, فإنه من الاطلاع على سورة البقرة , قال الله: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ(55) وذلك بعد ذكر موقف اتخاذ العجل. ثم إن ذكر الصاعقة هنا يوافق ما حدث لموسى عليه السلام حين قال: رب أرني أنظر إليك. فالصاعقة أخذت مَن طلب أن يرى الله جهرة, على اختلاف الطلبين, فموسى عليه السلام قال ربّ أرني, ولكن هذه الأمة من قومه قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة, والفارق واضح بين الموقفين. ولهذا فإن هذا قول سفيه من قوم موسى.
فتوجه موسى إلى ربه يستجدي ويطلب المغفرة والرحمة له ولهم: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ(155)وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ..)
فبين الله له علاج ما بدر من القوم من سفاهة. ويبدأ العلاج من الخطوة الأولي, من طرف القوم, بأنهم يتقون ويؤتون الزكاة ويؤمنون بآيات الله, تتلوها رحمة الله التي وسعت كل شيء: (…. قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)
وهذا سيتوفّر في الذين يتبعون الرسول النبي الأمي, لا على أساس قوميّ, ولا على أساس عرقي وصلات قرابة, وإنما على أساس اتباع, وهو الأساس المفتوح الذي يمكن لأي إنسان أن ينضم إليه دون النظر إلى قومه أو عرقه أو لونه أو آبائه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ…)
والرسول النبي الأمي, يأتي بالشريعة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث, وتخفيف الأغلال التي كانت على الأمم السابقة: (.. يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ….)
فمن آمن به, وعزّره ونصره واتبع النور الذي أنزل معه, أولئك هم المفلحون, أيا كانت خلفياتهم العرقية أو العائلية, أو اللون والجنس: (..فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(157)
هي دعوة مفتوحة للناس أجمعين: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(158) فالنسبة هنا لله الذي له ملك السموات والأرض, لا إله إلا هو, ورسوله للناس جميعا, لا تمييز ولا اختصاص إلا على أساس الإيمان والالتزام بالنصرة والاتباع.
بهذا تخرج الدعوة من المحلية في الأمم السابقة, قوم نوح وعاد وثمود ولوط ومدين, إلى الدعوة الإقليمية المبنية على أساس العرق والقرابة, بدءا من إبراهيم عليه السلام, وفرع إسحاق ويعقوب, ثم في النهاية, إلى الدعوة العالمية للناس جميعا, بدءا من فرع إسماعيل عليه الصلاة والسلام, الذي ظل كامنا حتى حركه الله في رسوله محمد صلي الله عليه وسلم, وهي الدعوة المستمرة ليوم القيامة, والمفتوحة لمن أراد أن يلتحق بها ويعزرها وينصر دين الله ورسوله. والذين يمكن أن يكونوا من قوم موسى أو من غيرهم, فلا حظر على أحد, إن توافرت فيه الشروط من الهداية بالحق والعدل
● تطور إيجابي لجزء من قوم موسى:
تطورت أمم من قوم موسى, فسبق أن قال الله: والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم, ثم قال: عن الألواح: وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون, ثم هنا يرتقي الله ببعض من قوم موسى: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(159) وهي أنهم تأهّلوا وعملوا للدعوة للهداية بالحق, وإلى الحكم العادل بالحق.
● آفة الاجتماع على المعاصي, وعلاجها بالتقطيع أمما:
قد يكون في تجمّع بني إسرائيل في أمة واحدة, ما يجعلهم يتشجعون على المعصية والمخالفة, كما حدث من إخوة يوسف, حين قالوا ونحن عصبة, وكأن كونهم عصبة يعطيهم فضلا حتى ولو كانوا على معصية, فقال لهم يعقوب عليه السلام: (يابنيّ لا تدخلوا من باب واحد, وادخلوا من أبواب متفرقة) فقطّع الله قوم موسى اثنتي عشرة أسباطا أمما, على أساس عرقي, كل أمة تنتمي إلى جد واحد, وجعل لكل أمة منهم مصادر الطعام والشراب المستقلة عن غيرها, ولكنهم لم تنفع معهم هذه أيضا, فكانوا أنفسهم يظلمون: (وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنْ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمْ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(160). وكانت هذه إحدى وسائل العلاج مبنية على أساس تفريق المجتمعين على الباطل, والمستمرين في المعاصي وهم جمع قد يشعرون بجمعهم أنهم أقوياء فيقوي بعضهم بعضا على الباطل, فيفرقهم الله.
● آفة تبديل قول الله وأوامره, وعلاجها بالسجود تواضعا لله:
هذا أمر من الله لعلاج الخطيئات التي ارتكبها القوم, بتكليفهم بالالتزام بقول الله وعدم تبديله, وكلمة خطيئات أفهمها على أنها جمع لخطيئات محددة لكل أمة منهم خطيئة محددة ربما تختلف عن خطيئة الأمم الأخرى, فلا تختلط معها وإنما يمكن تمييزها, فهي ليست خطايا, مع دخول القرية التي أمرهم بسكنها, دخولها سجّدا تواضعا لله, وعملا على معالجة حب المخالفة فيهم: (وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(161)
وأصلح الله بعضا من بني إسرائيل بهذا العلاج, ولكن بدّل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم , فعاقبهم الله بما كانوا يظلمون: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ(162)
● ضعف النفوس بالفسوق, وعلاجه التدريب على الصبر على الطاعة أمام مغريات الحياة:
قد تكون المعصية والفسوق عن طاعة الله, بسبب ضعف النفس أمام المغريات, وعدم حفظ الله والخوف منه بالغيب, ولعلاج ذلك, حرم الله عليهم الصيد يوم السبت, وكان يرسل لهم حيتانا يوم سبتهم شرّعا, ويوم لا يسبتون لا تأتيهم, فلم يصبروا وفشلوا في التدريب, بأن احتالوا بحبس الحيتان يوم السبت, حتى يصطادوها يوم الأحد: (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(163)
● عدم التناهي عن السوء, وعلاجه
انقسم القوم إلى ثلاث فرق: العصاة, والمستقيمين الناصحين, والثالثة فرقة مستقيمة ولكنها سلبية لا ترى فائدة من تقديم الموعظة للمخالفين فلا تنهى عن المنكر: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164) وهذه تذكّر بأن النصيحة معذرة إلى الله, حين يسألنا عن النصيحة, بصرف النظر عن الاستجابة لها. فنجيبه سبحانه بأننا أدينا حق النصيحة والتواصي بالحق, وإنما الهداية من الله, كما أن للنصيحة فائدة أخرى, حيث لا ينبغي أن يفقد المؤمنون الأمل في أن نصيحتهم للعصاة قد ينتج عنها أنهم يتقون.
وفعلا فإنه حين نسي القوم ماذُكّروا به, أنجى الله الذين ينهون عن السوء, وأخذ الذين ظلموا بعذاب, ولم يذكر مصير القوم الذين لم يعصوا, ولم ينصحوا, وفي عدم ذكر مصيرهم, تركهم وأمثالهم من السلبيين في حيرة من مصيرهم, لقد أنجى الله الذين ينهون عن السوء فقط. ولم يذكر مصير السلبيين: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(165)
أصر القوم على المعصية وعدم الانتهاء عما نهى الله عنه, فكان رد الله عليهم: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ(166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(167) ومن لطفه ورحمته سبحانه, لم يغلق الباب لمن طلب المغفرة والرحمة, بالتوبة والعودة إلى الله, إنه لغفور رحيم.
● التقطيع الجغرافي
وقطّعهم الله مرة أخرى, ولكنه نشرهم في الأرض, أي تقطيع جغرافي بعد التقطيع القومي أسباطا, ولعل في ذلك علاج لهم بأن يبعدهم عن بعضهم, ويسلط على كل أمة منهم ابتلاءه بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(168) استمر تحسُّن حال بعض من أمم قوم موسى, فأصبح منهم الصالحون, ومنهم دون ذلك, أي دون الصلاح. واستمر ابتلاء الله لهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون لمنهجه.
● تفضيل عرض هذا الأدنى, وعلاجه بالتذكير بالدار الآخرة
أجيال أخرى خلفت قوم موسى, ورثوا الكتاب, ولكنهم لا يلتزمونه أو يتمسكون به بل يؤثرون عليه غيره من أعراض الدنيا الأدنى, رغم ما أخذ الله عليهم من ميثاق الكتاب. ويقولون سيُغفر لنا, وكأنها قضية مسلّم بها, هؤلاء مخطئون, ولكن الخطأ الذي كان عليه من سبقوهم كان أكبر, حين طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلها, والذين اتخذوا العجل, والذين أخذتهم الرجفة.. ولم يراعوا الميثاق الذي أُخذ عليهم , ودرسوا ما فيه, فيذكرهم الله بالآخرة التي هي خير: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(169)
ومع ذلك فإن منهم أمة يتمسكون بالكتاب, ويمسّكون الناس به, وأقاموا الصلاة, وهم من المصلحين, وبالتالي فهم أفضل ممن سبقوهم وكانوا يهدون بالحق وبه يعدلون, وأفضل من الصالحين في الآية الأسبق, والمصلحون أفضل من الصالحين, حيث يتعدّى صلاحهم إلى إصلاح غيرهم. (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ(170)
● عدم أخذ الشريعة بقوة في التنفيذ, وعلاجه الترهيب والتهديد بالهلاك
حين يستمر القوم في التخاذل عن أخذ شريعة الله بقوة, فإن الله سبحانه يسلط من خلقه وآياته, ما يرهب به القوم حتى يأخذوا ما آتاهم الله بقوة: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(171) وهذا أيضا موقف أفضل من سوابقه. فهؤلاء قوم ربما يأخذون ما آتاهم الله, إلا أنهم لا يأخذونه بقوة. فالله يعالج تقصيرهم وتخاذلهم بالتهديد فوقهم.
وتلخيصا لآفات الأمة التي تبينت في قوم موسى فهي كالتالي:
تطورت حالة قوم موسى كالتالي:
- لقد: (قَالُوا يَامُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)
- ثم: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ)
- ولكن كان منهم: (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(153)
- ثم كان منهم: (السُّفَهَاءُ مِنَّا)
- فاهتدت أمة منهم : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(159))
- ثم حين قطعهم الله اثنتي عشرة أسباطا أمما: (كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
- وبعد أن أسكنهم الله القرية وأمرهم بقول وفعل ليغفر لهم خطيئاتهم: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) ولكن هذا لم يحدث من الجميع, وإنما من الذين ظلموا منهم فقط.
- ثم فسقت بالاحتيال على أمر الله: (الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) فكانت في ظاهرها طائعة, ولكن في احتيال على أوامر الله ونواهيه. وهو تطور إيجابي نحو الطاعة.( كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)
- ثم كانت أمة منهم سلبية عن الموعظة, فقالت: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) وهذه مخالفة أخف من الاحتيال.
- ثم: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا)
- ثم قطّعهم الله في الأرض أمما, وحسّن بعضهم حتى أصبحوا: (مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(168) وهذه خطوات متقدمة في الإصلاح, ومعها الابتلاء بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون.
- ثم حين َخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ, كانوا: (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) وهو تقصير في حمل مسئولية الكتاب, وإيثار عرض هذا الأدنى عليه, وتوقع المغفرة من الله, دون أن يسبقها ما يقدمونه من اهتمام بالكتاب الذي ورثوه, والميثاق الذي أخذ عليهم. ولكنهم على الجانب الآخر كانوا مهتمين بالمغفرة, وحريصين عليها, وهو أيضا تطور إيجابي في طريق الطاعة والإيمان, وإنما ينقصه الفهم الصحيح, والأولويات.
- ثم في تحسُّن آخر, فكان منهم المصلحون الذين يتمسّكون ويُمسّكون الناس بالكتاب, وأقاموا الصلاة, ولا يضيع الله أجرهم: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ(170))
- ثم يدفعهم الله نحو التقوى, فينتق الجبل فوقهم كأنه ظلة: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(171) والتقوى هي الهدف الذي بتحقيقه يصل الإنسان إلى أن يتبع ما أنزل إليه من ربه, ولا يتبع من دونه أولياء.
هكذا تطوّر قوم موسى من البحث عن إله, إلى التقوى وأخذ ما آتاهم الله بقوة.
وهو درس في تطوير الإنسان من الجهل والكفر إلى الإيمان والتقوى والصلاح والإصلاح. وصدق الله العظيم وله الحمد والمنّة, وله الثناء الحسن, والحمد لله الذي هدانا لهذا, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي, وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربّي.