وبعد كل هذه الوسائل والبيانات والأسلوب للربط بين السماء والأرض, وبيان مصير كل فريق, فمن افترى بعد ذلك على الله كذبا, أو كذّب بآياته فلا يوجد من هو أظلم منه. (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ(37)
وبالتالي فإن المصير الأخير لهؤلاء الكافرين بعد كل هذا هو المصير المشترك لكل الأمم المتشابهة معهم سواء من الجن أو من الإنس, في النار, وهذه هي نهاية القصة ولكل قصة نهاية.
“قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا..”
فلا ينفع اتباع أمة لأمة على الباطل فالجميع في النار, بل إنهم – وهم الحلفاء في الدنيا والأولياء- تلعن كل أمة أختها في النار.
ويفصل الله المواقف بين الفئتين التابعة والمتبوعة, وذلك من فضل الله ورحمته على بني آدم من قبل أن ينتهي المطاف بالجميع إلى حيث لا يحبون ولا يشتهون, في النار, لكي يتعظ كل فريق ويعمل في الدنيا على ألا يكون في تلك المواقف.
… حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ(38)وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ(39)
وهنا يستقر الحال بكلا الفريقين بالحق, وبعد كل ما تبين وكل ما أنزل الله لينذر به وذكرى للمؤمنين كما قال في صدر السورة: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(2)
وينتهي المآل في الآخرة إما إلى جنة وإما إلى نار:
أما الذين اتبعوا من دون الله أولياء, فلا صلة بينهم وبين السماء, ولا يدخلون الجنة..
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ(40)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ(41)
أما الذين يتبعون ما أنزل إليهم من ربهم, فينتهي المآل بهم إلى الجنة.. رغم ما في بعضهم من تقصير فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها..
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(42)
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(43)
هم يعترفون بالحق الذي جاءت به رسل ربهم, كما أمر سبحانه(إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
وهم بذلك أورثوا الجنة بما كانوا يعملون.
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(44)الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ(45)
هو سؤال للتقريع ولا يبدو أنه للاستفسار, وفيه أن أصحاب الجنة يقولون قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا, وقد للتأكيد على خبر كان موضع تشكيك من أصحاب النار, وهم يقولون ما وعدنا ربنا, أما حين يسألون أصحاب النار فيقولون: فهل وجدتم ما وعد ربكم, ولم يقولوا ما وعدكم ربكم, فأصحاب الجنة آمنوا بربهم وصدقوا وعده, فهو ربهم في الدنيا وربهم في الآخرة, أما أصحاب النار, فإنهم في الدنيا لم يؤمنوا بالله, ولم يصدقوا ما توعدهم به, وكان ما يعتقدون أن ربهم ليس هو الله رب العالمين, أما في الآخرة, فإن ربهم ورب كل شيء هو من له الملك يوم ينفخ في الصور وهو مالك يوم الدين.
الظالمون:
فأذّن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين….
وهنا يبين الله صفة الظالمين: الذين يصدون عن سبيل الله, ويبغونها عوجا, وهم بالآخرة كافرون.
إن الله بين سبيله لعباده فيما أنزل عليهم من لباس يواري سوءاتهم وريش, وفيما بينه في أول السورة أن اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم, ولا تتبعوا من دونه أولياء.
أما الظالمون, فإنهم لم يكتفوا بعدم اتباع ما أنزل إليهم من ربهم, بل إنهم يصدون عن سبيل الله, ويبغونها عوجا, وهم بالآخرة كافرون.
وهذا يفسر ويوضح ويبين, هذه الصفة فيما سبق من آيات عن قرى أهلكها الله فما كان دعواهم إذ جاءهم بأس الله, إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين..
ويبين سبب أن خفت موازين بعض الناس, أنهم خسروا أنفسهم بما كانوا بآيات الله يظلمون.
ويبين أن أول ما حذّر الله منه آدم وزوجه أن يكونا من الظالمين إن هما عصيا أمر ربهما واقترفا ما نهاهما عنه. وبالتالي فإن الظلم هو أول ما اعترف به وأقر آدم وزوجه: قالا ربنا ظلمنا أنفسنا.
ويبين سبحانه أنه ليس هناك أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته, وهو يبين مصائرهم في الآخرة حيث لا تفتّح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط, وهم المجرمون وهم الظالمون, لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش.
أصحاب الأعراف
ويفصل الله بين أصحاب الجنة وبين أصحاب النار بحجاب.
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ(46)
وعلى الأعراف رجال!!
من هم هؤلاء الرجال؟
وما هي الأعراف؟
الأعراف جمع عرف من المعرفة والعرفان, وهي من السكون والطمأنينة التي تتبع المعرفة .
والأعراف مكان مرتفع بين الجنة والنار, ويقال: أَعْرَفَ فلان فلاناً و عرَّفه إِذا وقَّفَه علـى ذنبه ثم عفا عنه. و عرَّفه الأَمرَ: أَعلـمه إِياه. و عرَّفه بـيتَه: أَعلـمه بمكانه. و عرَّفه به: وسَمه
واختلف في أصحاب الأعراف, بين من قال إنهم أنبياء, ومن قال بل ملائكة, ومن قال: علماء, ومن قال هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فهم بين الجنة والنار يرجون رحمة الله, وربما اتفق الجميع على أنهم يدخلون الجنة برحمة الله.
وحين نستخرج خصائص وسمات أصحاب الأعراف من الآيات نجد الآتي:
● هم رجال.
● هم على الأعراف وهي أماكن مرتفعة بين الجنة والنار, ومعروفة ومميزة.
● لهم معرفة مسبقة بسيما كل من أصحاب الجنة وأصحاب النار.
● هم ينادون أصحاب الجنة بالتحية سلام عليكم.
● هم يشهدون أن أصحاب الجنة لم يدخلوها وهم يطمعون.
● هم يعرفون رجالا من أصحاب النار بسيماهم.
● لهم حوارات في الدنيا مع رجال من أصحاب النار, وعانوا من جمعهم وما كانوا يستكبرون, ويحاجونهم بسبب قسمهم على أن أصحاب الجنة لا ينالهم الله برحمة.
وهؤلاء الفرقة من أصحاب النار, رجال كان لهم في الدنيا جمع, وهم مستكبرون, فمن هم؟ ومن أئمتهم في التاريخ القديم والحديث؟
ومَنْ مِن بني آدم من الرجال, الذين يكون لهم تلك المكانة على الأعراف؟
إن الله سبحانه أنزل علينا لباسا يواري سوءاتنا وريشا, وأرسل لنا رسلا منا يحملون رسالات الله وتفصيل كتبه, ثم ختم رسالاته وأنبيائه برسول الله صلي الله عليه وسلم, فماذا بعد ذلك؟ ومن يتابع صيانة رسالات الله, ومن يقوم على الدعوة ويراجع كتاب ربه وسنة رسوله, لا ليكتفي بها لنفسه فقط, ولا لينفع بها أهله فقط , ولكن لكي يخرج بها إلى الناس, باختلاف عقائدهم ومللهم. فمنهم من يتوجه لمن يؤمن بالله, بالتذكير والوعظ والهداية, ومنهم من يتوجه للضالين والكافرين يعرفهم بالله, ويدلهم على طريقه المستقيم, وهذا طريقه أصعب ولكن تأثيره أكبر حيث يفتح الله به قلوبا بالإيمان, ويهدي به من الظلمات إلى النور, ويؤدي به دور الأنبياء والرسل, فيستكمل تبليغ دعوة الله إلى الناس لمن لم تبلغه منهم, هؤلاء هم الدعاة إلى سبيل الله, وهم مختلفون عن الوعّاظ.
إن الدعاة إلى الله الذين يفتحون البلاد وقلوب العباد للتقوى, ويتوجهون إلى الكافرين الضالين في كل مكان, أولئك يختلطون بعموم الناس الذين لم تصلهم الدعوة, ويتعاملون معهم, وبالتالي هم يخبرونهم ويعرفونهم بسيماهم, وتدور بين الدعاة وبين طوائف الناس حوارات في الدنيا. هؤلاء هم ورثة الأنبياء والرسل على الرسالة, وهم خلفاء الله في الأرض على دينه وشريعته, جعلوا همهم توصيل دين الله إلى من لم يبلغه. ولابد أن يكون لهم موقف متميز يوم القيامة,
أظن أن هؤلاء والله أعلم هم أصحاب الأعراف, ولا أراهم في التاريخ إلا رجالا, فلا أتذكر من النساء من قمن بمهمة الدعوة في مجتمعات الكفر والضلالة, رغم أن منهن من يتعرضن لمهمة الوعظ والهداية والإرشاد ولكن في مجتمعاتهن, والله أعلى وأعلم
وأصحاب الأعراف في مكان مرتفع يوم الحساب, يوم الجزاء, يطّلعون على أصحاب الجنة, وينادونهم أن سلام عليكم,
كما أن الله يصرف أبصارهم تلقاء أصحاب النار, وهم لا يرغبون في النظر إليهم, ولكنهم يرون مصيرهم في الآخرة, وهم يعرفون فيهم رجالا بسيماهم, وهم أئمة الكفر في الدنيا, وزعماء الشرك والفساد والإجرام والظلم, ولا أراهم في الدنيا إلا رجالا, فلا أذكر من النساء من تزعمن لواء للكفر, كما كان من أمثال الرجال زعماء الكفر كأبي لهب وأبي جهل والوليد ابن المغيرة, وكأمثال هرتزل وماركس ولينين, وفرويد, وبيجين وشارون ونيتنياهو, ولقد كان من النساء أمثلة للذين كفروا كامرأة نوح وامرأة لوط, ولكنهما كانتا خائنتين لزوجيهما, وكانتا تابعتين لقومهما, كما كانت جولدا مائير من المفسدين ولكنه فساد ليس كفساد رجال الصهيونية والوجودية وأصحاب المذاهب الهدامة للإنسانية والمبادئ وحقوق الإنسان.
إن في كتاب الله أمثلة لأصحاب الأعراف, توضح الصورة, وترجحها. ففي سورة غافر:
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ* غافر28
وهذا ليس بنبي ولا رسول, ولكنه تدخل في الوقت المناسب, ونصر الله ورسوله وحاجّ فرعون وملأه, وقص الله حواره معهم في مساحة كبيرة من السورة.
وفي سورة يس: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(20) وهو أيضا ليس بنبي ولا رسول, وإنما جاء بعد أن أرسل الله لأصحاب تلك القرية اثنين فكذبوهما فعزز الله بثالث, ولم يستجب أصحاب القرية, فتدخل هذا الرجل ناصرا لله ورسله.
وإذا صرفت أبصار أصحاب الجنة تلقاء أصحاب النار, يتبرأون منهم ويحاذرون من مصائرهم:
وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(47)
وهذه من أهم أمنيات وتمنيات أصحاب الجنة, ألا يجعلهم الله مع القوم الظالمين, أن يُزَحزحون عن النار أولا, ثم يدخلون الجنة بعدها.
وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ(48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ(49)
إن هناك أسبابا تؤدي إلى دخول أصحاب النار فيها. وهناك عوائق تحول دون دخولهم الجنة. فهم كانوا يعتزون بأنهم مشتركون في الكفر وأنهم كثرة. يقول بعضهم نحن جميع منتصر, ويستكبر بعضهم في الأرض بغير الحق, ويقول بعضهم من أشد منا قوة. ويعتز بعضهم بشفعاء من دون الله. وكل هذه الأقوال لا تنفع يوم القيامة, ولا تحول دون النار, والشيء الوحيد الذي ينقذ من النار هو طاعة الله. أما الجمع والاستكبار والاستهزاء بالمؤمنين, كل ذلك يكون سببا في دخول النار والبعد عن الجنة. ويقول الله لمثل هؤلاء: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون).
بل إنهم لا ينالون حتى شربة من ماء الجنة وهم في النار, وليس لأهل الجنة صلاحية في التصرف فيما لديهم من الماء أو مما رزقهم الله, حين يطلبهما أصحاب النار, إن الله حرمهما على الكافرين. فنسيانهم لقاء يومهم هذا وجحودهم بآيات الله يكون سببا في حرمانهم من نعيم الجنة, ومن نعم الله عليهم التي لم يستفيدوا منها في الدنيا أنه سبحانه يذكّرهم بكل هذه المواقف العصيبة هنا قبل أن تحدث لهم, وحتى يتعظوا ويحسبوا لها كل حساب. فإن هم فعلوا, وإلا فالمصير واضح ومحتوم ولا شفاعة فيه, ولا حائل دونه.
وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50)الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ(51)
وقد جاءهم الله بكتاب مفصّل لكي لا يكون للناس حجة بعد الرسل. حيث لا شفاعة وحيث لا فرصة للرد والعمل الصالح , ولا شيء إلا الحسرة والخسارة ولا يصل إليهم معونة أو مؤونة ممن كانوا يفترون, بل ضلوا عنهم يومئذ.
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(52)هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(53)
والله تعالى أعلى وأعلم
نسأل الله أن يجعلنا من أصحاب الجنة, وأن يوفقنا إلى العمل لوجهه الكريم.. آمين