وتأتي سورة الإخلاص على قمة منهاج بناء الإخلاص, تأخذ المخلصين إلى الاستعانة بالله الأحد, وحده لا شريك له, يقصدونه في قضاء حوائجهم, ويعلمون أنه لا الواحد الأحد, ويقولون: اللهم لا تحوجنا إلا إليك, ولا تُلجِئنا إلا إليك, ولا تكلنا إلا عليك, ولا تشغلنا إلا بك. (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)
وبالتالي , فإنه لا ينبغي لكم أن تستعينوا بغيره , فهو كافيكم وكافلكم , تجدونه عندكم كلما تحتاجون إليه , فيعيذكم ويعينكم , هو وحده لا شريك له , أحد لا يحتاج إلى معونة من أحد , فهو لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
والآن , قد اكتمل تكوين حزب الله !!
والاسم أخذته من كتاب الله , حيث قال “ألا إن حزب الله هم المفلحون”
أو قل تأسست الولاية الإيمانية التي تربط عباد الله المؤمنين بربهم .
(وليس في ذلك أية إشارة إلى تسميات مماثلة في السياسة اختارت هذا الاسم تيمنا به , وبأن حزب الله هم المفلحون , وقد يكونون كذلك أو لا يكونوا , ولكن هذا ليس موضوعنا الآن).
وخلاصة القول فيما سبق , هو أن الله سبحانه قد اختار محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم ولمن اصطفاهم الله من عباده فسابقوا بالخيرات بإذن الله , الذين يتحملون مسئولية هذا الدين.
● فأنشأ له الأساس الذي يتلقى به الهدى من الله ب(اقرأ) في العلق,
● وحدد له الأجر والهدف العام لرسالته في نون والقلم
● وحدد له مواعيد اللقاء مع ربه ليتلقى منه ويوثق الصلة به سبحانه , في المزّمّل ,
● ووصّف له متطلبات مهمته في المدّثّر ,
● وأعطاه خلاصة الرؤية والخطوط الرئيسية للدعوة في الفاتحة.
● ثم حدد الله وعيّن العدو , وهو الكافر والمكذّب بالآخرة , وتكفّل به, في المسد والعلق والقلم والمزّمل والمدّثر والفاتحة.
● ثم توجه صلّى الله عليه وسلم إلى الناس بدعوة الله , فأنبأهم الله بأمر القيامة والبعث والحساب , وأن نتيجته إما الجحيم وإما الجنة , وأرسل لهم خطاب التفويض بصدق رسوله وأمانته وسلامة عقله , وأن الاستقامة مشيئة الإنسان بعد مشيئة الله , وذلك في التكوير.
● ثم بدأ منهاج تدريب من آمن بالبعث على تطبيقات الإيمان والحساب و التصديق بالحسنى , وذلك في سور الأعلى والليل والفجر والضحى , شملت إعطاء المال لوجه ربنا الأعلى , وإكرام اليتيم وعدم نهر السائل , والحض على طعام المسكين , والتخلّي عن أكل التراث أكلا لمّا , وحب المال حبا جمّا, انتظارا لملاقاة الله الذي يُرجع النفس المطمئنة إليه ويُدخلها جنته.
● كما أوصى سبحانه رسوله بنفس الوصايا في الضحى.
● دعّم الله رسوله وآزره في سورة الشرح , وأمره بالمزيد من القرب منه.
● أقام الله رابطة العصر بين الذين آمنوا , وبناها على الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
● أمام الدين والعقيدة , نشأ فريقان , فريق صدق بالحسنى , وفريق كذب بها , والأخير كنود لربّه , وهو لحب الخير شديد , فمن المتوقّع حدوث احتكاكات بينهما , بسبب عدم اعتبار المكذّبين بالحساب والبعث , فكان لابد من الاستعداد لمقابلة ذلك والدفاع عن النفس , فنزلت العاديات.
● كثر الأشياع والأصحاب حول رسول الله , فأعطاه الله الكوثر. وهو بمثابة عطاء أو قلادة من الله جل شأنه لانتهاء مرحلة بناء اللبنة الأولى للمجتمع المسلم وإنشاء مقوماته .
● استمر برنامج التدريب الجماعي على التصديق بالحسنى , بالتكاثر, حتى لايلتهي المجتمع المؤمن بمظاهر الدنيا ونعيمها.
● وفي الماعون, تم تعريف الدين بأنه لا يقتصر على المظهر , ولكن العمق التطبيقي والانفعال بالعمل المبرهن على صدق الإيمان وتطابق الظاهر بالباطن هو أساس الدين.
● هنا تميّز المجتمع الجديد أمام مجتمع الكافرين, فتم الاعتراف بوجود الفريقين , والتميّز يبنهما , وعدم المداهنة , فنزلت سورة الكافرون.
● ازداد احتمال المواجهة بين المصدقين والمكذبين , في الوقت الذي مازالت قوة المصدقين في طور التكوين , فاحتاج الموقف إلى أن يطمئنهم الله إلى قوّته وبطشه الشديد , فأنزل سورة الفيل, كما طمأنهم الله إلى أنه يعيذهم من كل شرّ خفيّ , أو شيطانيّ بسورتي الفلق والناس.
● وبالتالي أغناهم الله عن غيره بحيث لا يستعينون إلا به وحده فأنزل الله سورة الإخلاص (قل هو الله أحد).
وبهذا تأسست الرابطة بين الله وعباده الذين آمنوا, أو الولاية الإيمانية .