عودة إلى ذكر أحداث قيام الساعة ,وهي هنا تذكر باسم أو صفة القارعة, ووضع الناس فيها, وثقل الموازين, وخفتها, ومصير هذا وذاك. إما عيشة راضية, وإما هاوية, نار حامية.
الْقَارِعَةُ(1)مَا الْقَارِعَةُ(2)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ(3)يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ(4)وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ(5)فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(7)وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(8)فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9)وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ(10)نَارٌ حَامِيَةٌ(11)
تدرجت الأصوات المصاحبة لقيام الساعة كالتالي:
● ترجف الأرض والجبال- المزّمّل
● نقر في الناقور-المدّثّر
● الصاخّة: صوت صيحة تصم الآذان – كلمة تؤثر على الآذان ومنها إلى العقول. عبس.
القارعة: تسمع اللفظ الذي يؤثر على الآذان بسماع القارعة , وهو في نفس الوقت يزيد عن كونه صوتا يصم الآذان , إلى أنه صوت مصحوب بالضرب الشديد.
والكلام هنا عن أوزان , يكون الناس كالفراش المبثوث , مهما كان شكله جميلا, إلا أنه لا وزن له. وتكون الجبال كالعهن المنفوش, خفيفة الوزن متطايرة, ثم التقييم يومئذ لموازين الأعمال, فالتقييم ليس على من عمل ومن لم يعمل, ولكنه بمقدار ثقل الأعمال الصالحة .
توجيه المؤمنين إلى العمل:
● فيما سبق من السور , بعد وضع مبادئ العقيدة , وجه الله الناس إلى أن الإيمان والاعتقاد بالبعث , يدفع المؤمنين إلى عمل الصالحات , فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى , فسنيسره لليسرى.(الليل)
● ثم هدى الله إلى الإخلاص في العطاء- يؤتي ماله يتزكى , وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى.(الليل)
● ثم بين سبحانه نوعية العطاء والإخلاص فيه , وعمم العمل الصالح للغني والفقير , فوجّه إلى إكرام اليتيم , والحض على طعام المسكين, والبعد عن أكل التراث وحب المال.(الفجر)
● ثم أقسم الله بالعصر إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات, فهدى إلى عمل الصالحات في شكل عمل جماعي, فيه تواص بالحق وتواص بالصبر.
● وأكد في الماعون على أن الذي يكذب بالدين ,هو ذلك الذي يدع اليتيم , ولا يحض على طعام المسكين , وأن العمل حتى العبادة الخالصة في الصلاة , إن لم تكن تصل بالإنسان إلى العمل الصالح لخير المجتمع , خاصة الضعفاء فيه , فإنها تكون سببا للقذف في الويل, الذين هم يراءون. ويمنعون الماعون.
● وفي النجم : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى(39)وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى(40)ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى(41)- إشارة إلى سعي الإنسان , وأن سعيه سوف يرى , ثم يجزاه الجزاء الأوفى.
● وفي عبس , إشارة إلى أن الله سبحانه سيأمر الإنسان , الذي عليه أن يختار طاعة هذا الأمر: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ(23)
● وفي الشمس, إشارة إلى نوعية أعمال النفس: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا. وهدفها الوصول إلى تزكية النفوس بالبعد عن كل ما يدسها, والقرب من كل ما يزكيها.
● وفي التين وجه الله إلى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الذين استثناهم الله من الرد أسفل سافلين, وهم لهم أجر غير ممنون.
● وفي القارعة, يبين الله أن مجرد العمل فقط لا يكفي , وإنما لابد من ثقل موازين الأعمال, وأن خفة موازين الأعمال تودي بالإنسان إلى هاوية, وما أدراك ماهية, نار حامية.
فانظر إلى التدرج في التكليف بالأعمال الصالحة, وسبحان الله ربّ العالمين
والخلاصة: أن على الدعاة التدرج في بيان التكاليف والطاعات والعبادات لمن آمن بالله. ولا يرهقون الناس بكثرة تكاليف وبالتعنُّت في تنفيذ كل شيء منذ الوهلة الأولى , وإنما بالتدريج, ثم بعد ذلك ببيان أن السبق يكون لمن ثقلت موازينه, وأما هذا الذي خفت موازينه, فأمه هاوية , نار حامية.