أسجدت الحجج العقلية جميع طوائف الناس الحاضرين في مجلس رسول الله وهو يتلو عليهم سورة النجم, حتى الكافرين منهم, بعد أن أشهدهم بأنه ما ضل صاحبهم وما غوى, وما ينطق عن الهوى. ورد على فاسد معتقداتهم في الآلهة الباطلة, اللات والعزى, ومناة الثالثة الأخرى, وادعاء أن لهم الذكر ولله الأنثى, وفاسد معتقداتهم في الملائكة, واتباعهم للظن وما تهوى الأنفس, ولقد جاءهم من ربهم الهدى. وعلى الجانب الأخر, أكد لهم أن ليس للإنسان إلا ما سعى, وأن سعيه سوف يُرى, ثم يجزاه الجزاء الأوفى, وأن إلى ربك المنتهى, وأنه هو أضحك وأبكى, وأنه هو أمات وأحيا, وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى, من نطفة إذا تُمنى, وأن عليه النشأة الأخرى, وأنه هو أغنى وأقنى, وأنه هو رب الشعرى. وحين أمرهم بالسجود بقوله, (فاسجدوا لله واعبدوا), سجد الحضور كلهم أجمعون رغم كفر أكثرهم.
وتم تركيز جهود الدعوة في سورة عبس مع من جاء يسعى وهو يخشى, وتجنّب مناقشة ومجالسة الذين كفروا مع تبليغهم بإنذارات الله لهم, وتوبيخهم على إجرامهم, مع بيان حقائق العقيدة والبعث والحساب وقدرات الله لمن عجب ولم يصدق بآيات ربه.
وفي سورة القدر, فتح الله معسكر ليلة القدر للمؤمنين لكي يذوقوا متعة قيام الليل بين يدي الله, فيدخل بعض منهم في طائفة من الذين مع رسول الله, فينشغلون بأمور الدعوة ويعملون فيها, ولا يكتفون بالإيمان والعمل الصالح فقط, ولكن يدعون الناس لدين الله, بما يتلقونه ويفقهونه من القرآن الذي يقومون به الليل.
وفي سورة الشمس, حفّز الله النفوس على الهداية, وأقسم رب العالمين على أنه قد أفلح من زكاها , وقد خاب من دساها.
وفي البروج, أنذر سبحانه الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا بأن لهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق.
كما تم تبليغ الجميع بأن دعوة الإسلام عامة يدخل فيها كل الناس على اختلاف طوائفهم وعقائدهم, وأنها تخص الجميع, وتم توجيه الدعوة للإيمان إلى كل طائفة, مع اختلاف الأسلوب الذي تخاطب به كل طائفة. فكان كل نبي يبعث لقومه خاصة, وبعث رسولنا صلى الله عليه وسلم للناس عامة. تشمل دعوته الذين كفروا, والكافرين والمشركين والضالين والذين في قلوبهم مرض, والذين أوتوا الكتاب, والمؤمنين, والذين آمنوا, وأعلن أن الإسلام دين للعالمين, دين مفتوح لكل الطوائف دون تمييز.
ففي سورة التين, أقسم الله بالتين والزيتون وطور سينين, وهذا البلد الأمين, في تآخ للأرض التي بدأت منها دعوة عيسى , ودعوة موسى, ودعوة محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام.
كما وجه الدعوة لمشركي قريش فليعبدوا رب هذا البيت, الذي بين أنه هو الذي رتب لهم رحلة الشتاء والصيف لإيلافهم, وهو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
وفي القارعة , وضع الله موازين للعمل, تقيس حسب الثقل, فحث سبحانه من زكيت نفسه حتى يجتهد في العمل الصالح لتثقل موازينه فهو في عيشة راضية, وأنذر من خفت موازينه بنار حامية, في استثمار للعقيدة التي يبنيها الله في القلوب, لكي تتحول إلى عمل صالح ينفع الناس, ولكي يقصر من يبغي الشر عن شرّه.
ثم أقسم الله بالنفس اللوامة, وبين حقائق القيامة بعد دمار الدنيا, حيث يقوم الناس بعد الموت, وما ينقذهم في هذا الموقف هو لوم أنفسهم لهم في الدنيا على تفريط, أو على تقصير. حيث ينبأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر. حيث تستقر أحوال الناس على أمر من أمرين: وجوه يومئذ ناضرة , إلى ربها ناظرة, ووجوه يومئذ عليها غبرة, ترهقها قترة, أولئك هم الكفرة الفجرة.
ولكي يخرج الله الدنيا من قلوب عباده المؤمنين, أنذر الذي جمع مالا وعدّده, يحسب أن ماله أخلده, أنذره لينبذنّ في الحطمة.
ثم في سورة المرسلات, وجّه الله للمكذّبين المجرمين إنذارات وإهانات على معاندتهم ومحاربتهم للدعوة, ليحطّم استكبارهم, وأثبت لهم من استعراض مظاهر الطبيعة التي خلقها الله, إن مايوعدون لواقع. وكان قد اكتفى في سورة التكوير بعلم نفس ما أحضرت, وفي القيامة ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخّر, وهنا في المرسلات يوم الفصل
ثم في سورة ق, رد الله على تعجّب الكافرين من عقيدة البعث, بأن استعرض لهم البعث الذي يرونه كل يوم فيما نزّل الله من السماء ماء فأنبت به جنات وحب الحصيد, والنخل باسقات لها طلع نضيد, رزقا للعباد, وأحيا به بلدة ميتا, كذلك الخروج. وأنذر من اتباع القرين لقرينه وهو سيتبرأ منه يوم الحساب, في نفس الوقت الذي أزلفت الجنة فيه للمتقين غير بعيد.
وإشعارا للإنسان بمراقبة الله له, أقسم الله بهذا البلد, ووالد وما ولد, أنه قد خلق الإنسان في كبد. وحث الإنسان على الأعمال الصالحة التي يقتحم بها عقبة الحساب يوم القيامة, بفك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة , يتيما ذا مقربة, أو مسكينا ذا متربة, كمقدمة لكي يكون من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة, أولئك أصحاب الميمنة.
ثم يعمّق الله إحساس كل نفس بأن عليها حافظ, فأقسم بالسماء والطارق, النجم الثاقب, الذي كان يمكن أن يثقب غلاف الأرض فيُهلك الله به من يُهلك, ولكنه جعل على كل نفس حافظ, وأنه سبحانه على رجع الإنسان لقادر , يوم تبلى السرائر, ومهّل الكافرين رويدا.
ثم بعد أن أمهلهم , راجعهم وذكرهم بالزمن وبالساعة واقترابها في سورة القمر, فقال: اقتربت الساعة وانشق القمر, وذكرهم بالأنباء التي جاءهم منها ما فيه مزدجر, وبما حدث لقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون, وبأن كفار اليوم ليسوا خيرا من كفار الأمس, وليس لهم براءة في الزبر, وأن جمعهم سيهزم ويولون الدبر, والمتقون في جنات ونهر, في مقعد صدق عند مليك مقتدر.