الاعتقاد بأن هناك قيامة , وحساب, وجزاء إما إلى جهنم , وإما إلى جنة ,هو اعتقاد في غاية الأهمية بالنسبة لدعوة الله, والتي بناء عليها يعلم الإنسان أنه محاسب, فيسهل على الداعية أن يُسمعه ما يأمر به الله, وما ينهى عنه, كما يسهل على الإنسان أن ينفّذ ويطيع, بعد أن عرف سلطان الله عليه, وأنه سيحاسبه يوم القيامة.
وحتى الآن منذ بداية التنزيل, ذكرت أحداث قيام الساعة بالألفاظ التالية:
● أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ(39) (القلم). يأتي يوم يقوم الناس فيه للحساب, هو يوم القيامة .
● يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ(42)خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ(43) القلم – إشعار بالندم من ترك الطاعة في الدنيا , والشعور بالذلة وخشوع الأبصار , والندم الذي لم يعد ينفع.
● يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتْ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا(14) المزّمّل – رجفة الأرض والجبال , وهدم الثوابت
● فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا(17)السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا(18)- آثار أهوال يوم أحداث قيام الساعة على الولدان فيجعلهم شيبا. وفي نفس الوقت , السماء منفطر به, أضيف أثر الآخرة على السماء بعد ما ترجف الأرض والجبال.
● فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ(8)فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ(9)عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ(10) المدّثّر- نقر في الناقور.
● وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ(46)حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ(47) موقف المكذبين يوم الدين
● كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ(53)
● مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4)الفاتحة – الحساب , والله مالك يومه
● إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1)وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ(2)…. التكوير- آثار اليوم على ثوابت الدنيا, وعودة النفوس إلى الأجساد, والسؤال عن الذنوب, وكشف الحساب, والجزاء إما جحيم , وإما جنة.
● فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ(33)يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36)لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ(37)عبس. الصوت المفزع, وعدم الانتفاع بالأهل والأصحاب بين يدي الله, واطمئنان المؤمنين وإرهاق الكفرة الفجرة.
● الْقَارِعَةُ(1) الصوت المصحوب بالقرع الشديد, ولا ينفع معه إلا ثقل موازين الأعمال
إن الله تعالى يستكمل وصف المواقف يوم قيام الساعة , ويجسّد للإنسان ماسيحدث في الثوابت من الكون والكائنات , ويدخل إلى داخل نفسه ومشاعره فيصف مشاعر كل فريق .
وهنا في سورة القيامة. فإنه يبين أن الدنيا بعد هدمها, وبعد أن يهلك الناس , فإن الله يبعثهم فيقومون لله ربّ العالمين, يجمع عظامهم ويسوّي بنانهم, فيقفون بين يديه للحساب فيحاسبهم, يُنبّأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر.
وهنا يذكر الله النفس اللوامة , التي تنقذ صاحبها من أهوال القيامة. كما أرضت النفس المطمئنة صاحبها في سورة الفجر, فرجعت إلى ربها راضية مرضية.
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ(1)وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2)أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ(3)بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ(4)بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ(5)يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ(6)
علام تلوم النفس؟ لماذا يلوم إنسانٌ نفسه؟ ألم يُخلق الناس أحرارا كما يقولون؟ أليس الإنسان قادرا على أن يتصرف كما يشاء, أو هو يظن ذلك؟ ألم يترك الله له الحرية فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؟
إن الدنيا بعد هدمها, وبعد أن يهلك الناس , فإنهم سيقومون لله ربّ العالمين, يجمع عظامهم ويسوّي بنانهم, فيقفون بين يديه للحساب فيحاسبهم, يُنبّأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر.
وهنا يذكر الله النفس اللوامة , التي تنقذ صاحبها من أهوال القيامة. كما أرضت النفس المطمئنة صاحبها في سورة الفجر, فرجعت إلى ربها راضية مرضية.
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ(1)وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2)أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ(3)بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ(4)بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ(5)يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ(6)
كيف تكون النفس لوّامة؟
علام تلوم النفس؟ لماذا يلوم إنسانٌ نفسه؟ ألم يُخلق الناس أحرارا كما يقولون؟ أليس الإنسان قادرا على أن يتصرف كما يشاء, أو هو يظن ذلك؟ ألم يترك الله له الحرية فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؟
أولا: يزرع الله عقيدة الآخرة في قلوب الناس أجمعين, مؤمنهم وكافرهم. فالله سبحانه يذكر أحداث قيام الساعة, ويدلل عليها ويثبتها بأدلة مادية يراها ويشعر بها كل إنسان , ولا تعتمد على إيمانه أو عقيدته فقط. وينتهي الحال بالملخصات الآتية:
- عقيدة قيام الساعة والبعث والحساب:
- إن إلى ربك الرُّجعى. تكرار الرجوع إلى الله في كل حين, وفي كل شأن
- وأن إلى ربك المنتهى. وهي النهاية التي ليس بعدها نهاية
- إلى ربك يومئذ المستقر.
والرجعى, والمنتهى, والمستقر إلى ربّ رسول الله وربّنا وربّ العالمين. ولكن ينسب إلى رسول الله حتى نرجع إلى سنته صلّى الله عليه وسلم ونحن نستعد للمستقر. - معايير الحق والباطل , والصواب والخطأ: إن الله سبحانه علّم الإنسان تمييز الصواب من الخطأ, والحق من الباطل. وعلّمه أنه سيحاسب على هذا وذاك. وذلك منذ اللحظة الأولى لهبوط أبويه من الجنة التي كانا فيها, وذلك حين قال سبحانه لآدم وزوجه وبنيه: قلنا اهبطوا منها جميعا..
فإما يأتينكم مني هدى : المرجع الذي يقاس عليه عمل الناس
a. فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
b. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
- يقظة القلب والمحاسبة الدائمة للنفس: منذ هذه اللحظة, والله سبحانه يؤتي هداه لعباده, ويعلمهم التمييز. فمن صحا قلبه, وعملت جوارحه في طاعة الله والبعد عن معاصيه ما استطاع إلى ذلك سبيلا, فإن مثل هذا يعيش يلوم نفسه على كل ذنب أو تقصير أو تفريط في جنب الله. ومهما قدم من عمل, فهو يخشى ألاّ يُقبل منه, أكثر من خشية المذنبين من ذنوبهم, وهو كما قال الله عنه”
a. إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(57)
b. وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ(58)
c. وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ(59)
d. وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ(60)
e. أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ(61)”(المؤمنون).
وتكررت كلمة ربهم في كل صفة, فهم مؤمنون بالله ورسوله وكتابه, وبالتالي ربّهم هو ربّ رسولهم, فهم يشعرون أنه خالقهم ومالكهم والقائم عليهم والملازم لهم والمصلح لهم. فهم بين الخوف والرجاء, يؤمنون ولا يشركون, هذا في قلوبهم وعقيدتهم. ثم في أعمالهم يراقبون ربهم ويؤمنون أنهم إليه راجعون, وبالتالي فهم يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون.
ولا يأمنون مكر الله. من هنا تكون النفس لوّامة, تنقذ من أهوال يوم القيامة.
وحين يقسم الله بيوم القيامة, فإنه يقسم بالنفس اللوامة, التي عملت لهذا اليوم ألف حساب , وظلت في لوم لا ينتهي ليلا ولا نهارا, لأنها تعرف الحق وتحبه وتقيس أعمالها عليه, فتعرف كم هي مقصّرة بعيدة عن الحق والصواب مهما فعلت ومهما أدت من حق الله. فهي تنشد الكمال , وأي شيء دون الكمال فهو تقصير وتفريط وخطأ وذنب لا تضمن أن الله سيغفره, فتظل وجلة مضطربة قلقة, إلى أن تلقى الله على هذه الحال, فيحق فيها قوله سبحانه -إن شاء- في الحديث القدسي: “وعزتي وجلالي لا أجمع على قلب عبدي أمنين ولا أجمع عليه خوفين. إن أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة, وإن خافني في الدنيا آمنته في الآخرة”.
وحتى رسول الله صلّي الله عليه وسلم , فيما روي عنه يقول: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله , قالوا: ولا أنت يارسول الله, قال: ولا أنا , إلا أن يتغمدني الله برحمته. أو كما قال.
يقول ابن كثير “وأما النفس اللوامة فقال قرة بن خالد عن الحسن البصري في هذه الآية أن المؤمن والله ما نراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه”.
واعلم أن المرء بين أجلين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله قاض فيه, وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله فاعل به.
يدعون ربهم خوفا وطمعا.
نسأل الله أن نكون من الذين يخافون الله في الدنيا فيؤمّنهم في الآخرة. … …
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ(7)وَخَسَفَ الْقَمَرُ(8)وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(9)يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ(10) كَلَّا لَا وَزَرَ(11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ(12)يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ(13)
المستقر إلى رب رسول الله, ورب كل مؤمن فمن أراد أن يكون مستقره خيرا طيبا, فعليه أن يلتزم بما جاء به رسول الله , فإنه إلى ربه المستقر.
وفي سورة التكوير (علمت نفس ما أحضرت) وهنا تفصيلة أكثر, ينبأ الإنسان بما قدم وأخّر.
بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)
ثم توجه الله بتدرج آخر في تلقي رسول الله لكلام الله: بدأ باقرأ في العلق, ثم سنقرئك فلا تنسى , في الأعلى, ثم في القيامة:
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16)إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ(17)فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ(18)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19)
إن الوسيلة التي بها يعرف المؤمن ماذا يريد منه ربه, والداعية الذي يريد أن يبلّغ عن ربه, لابد من أن يكون قارئا لكلام الله, متبعا له, بمعنى القراءة التي هي الجمع والضم والفهم والإدراك, ولا تقتصر على تحريك اللسان, والله سبحانه عليه أن ييسر القرآن للذكر, فعليه جمعه وقرآنه, ثم عليه بيانه, كما قال سبحانه, وعلى الداعية اتباع قرآنه.
إن رسول الله عليه الصلاة والسلام, كان يسارع بترديد كلام الله أثناء إبلاغ جبريل عليه السلام له, خشية أن ينسى منه شيئا. أي أنه كان يحاول حفظه. فنهاه الله عن محاولة الحفظ بتحريك اللسان به, وضمن له جمعه وقرآنه, وأمره أن يتبع قرآنه, ثم ضمن له بيانه.
إن في ذلك إشارة إلى أهمية اتباع القرآن , أكثر من تحريك اللسان بالحفظ والتلاوة. فالهدف هو الاتباع , والاتباع يكون بعد الجمع والقراءة بالفهم والإدراك. ولا يكفي الحفظ وتحريك اللسان به.
ثم يستمر الله سبحانه في تجريد الإنسان من تمسكه بمظاهر الدنيا , وأن تكون في قلبه , وإنما يريدها الله في يد المؤمن لا في قلبه , وهو هنا يلومه على حب الدنيا على حساب الآخرة , وسمّى الدنيا هنا بالعاجلة , والمقارنة بين المصيرين, الوجوه الناضرة , والوجوه الباسرة.
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ(20)وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ(21)وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23)وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ(24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ(25)
ويذكّر الله بالموت وأحواله, حيث لا ينفع معه رقيا ولا علاج, وإنما إلى ربّك يومئذ المساق. وينسب كلمة (ربّ) إلى رسول الله كما كان ذلك في الرجعى والمنتهى والمستقر. لكي يرجع الناس إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشدون فيها تفاصيل الطريق إلى الله. ولا ينفصل كل واحد بنفسه محاولا الوصول. وإلا كان اللفظ (إلى ربه) قد جاء بدلا من اللفظ (إلى ربك).
كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ(27)وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ(28)وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29)إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ(30)
ويبين أسباب الهلاك , والوجوه الباسرة :
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى(31)وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى(32)ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى(33)أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى(34)ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى(35)
ثم يتوجه القرآن بتأكيد للإنسان الضال , وبأسلوب جديد على أن الله سبحانه لن يترك الإنسان سدى , بغير تكليف ولا حساب , ولكنه سيكلفه , وسيحاسبه.
أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)
إن الإنسان صاحب النفس اللوامة يحسب أن الله مكلفه ومحاسبه. أما غير هذا من بني الإنسان, فهو يحسب أن يترك سُدى , أي أن يترك هملا بغير تكليف ولا حساب ولا جزاء, وهنا يكمن الداء , والسبب الرئيسي للفساد. والسؤال يعني أن الإنسان غير المؤمن يحسب أنه يترك سدى, ويعني أن الله لن يتركه سدى.
ثم يثبت الله لهذا الإنسان أنه سيحييه بعد موته للحساب والجزاء. ويلخّص له نشأته, فمنذ كان نطفة, ثم كان علقة فخلق فسوّى, فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى , والله الذي فعل كل هذا هو القادر على أن يحيي الموتى.
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى(39)أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى(40)
بلى قادر سبحانه جلّ شأنه , وتعالي بقدرته .
الخلاصة: أن الإنسان الذي علم بواجباته نحو ربه, وبأنه قائم يوم القيامة للحساب, ثم للجزاء الأوفي, لابد أن يظل يدين نفسه على ما فرّط وقصّر في جنب الله, فيظل يلوم نفسه. ويصبح هذا الإنسان صاحب النفس اللوامة, حجة على أن القيامة حق, يؤكد لغير المؤمنين أن يوم القيامة آت لا محالة, وأن الاستعداد له فرض على كل إنسان. ومن لم يلم نفسه في الدنيا, فإنه على نفسه بصيرة, ولو ألقى معاذيره يوم القيامة, فسوف تلومه نفسه يومئذ: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ(56)أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ(57)أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ(58)الزمر
بل إن بعض أهل المعاصي يلومون الشيطان عليه لعنة الله, فيقول لهم: فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ (سورة إبراهيم) فقد انتهت فرصة اللوم المذكّر والمصحّح للخطأ والتقصير.