الحكمة منهاج تربوي, والحكيم لا يقتصر على الوصول إلى الحكمة, ولكن أول مقتضيات الحكمة أن يشكر صاحبها الله على نعمة الحكمة, فيؤدي حقها. وأول من يتجه إليه الحكيم هو ابنه. وذلك أيضا من الحكمة, فينقل قواعد الحكمة إليه, حتى تتوارثها الأجيال, وحتى يبدأ الأبناء من حيث انتهى الآباء, فتتطور الدنيا وتتقدم كل يوم ومع كل جيل.
سورة لقمان, تأخذ الحكمة فتورثها وتعلمها للأجيال.. فتكون بها آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين (ألم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3))
وكما أن منظومة القيادة تتضمن نقل القيادة إلى الذرية, وإعدادها للمستقبل, كما في سورة مريم, فإن منظومة الحكمة تتضمن زراعة الحكمة في الأبناء, وهذا ما فعله لقمان حين آتاه الله الحكمة, وأمره (أن اشكر لله), فتوجه إلى ابنه وهو يعظه, وأول ما وعظه به (يا بني لا تشرك بالله)
ويصل العقل إلى الحكمة حين ينظر في خلق السماوات والأرض, والدواب, والماء والنبات, إلى آيات الله الكونية, فيرى خلق الله, ولا يرى خلقا للذين من دونه, فلا يشرك بالله (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)
وتتلخص موعظة لقمان كالتالي:
- يخرج بحكمته إلى الناس شكرا لله
- أول من يخرج إليهم هو ابنه, وأول ما ينصحه به ألا يشرك بالله.
- يتدخل الله لدى الإنسان بالفطرة ليوصيه بالإحسان لوالديه, ليقوداه إلى الله
- فإن لم يفعلا, بل جاهداه على الشرك, فلا يطيعهما, ولكن يبحث عمن يأخذ بيده إلى سبيل الله
- يتعرف على قدرات الله, ولطفه وخبرته
- يقيم الصلاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ويصبر
- لا يتكبر على الناس بعلمه وقدراته, ولا يغتر في نفسه اختيالا وفخرا
- حينئذ يكون إنسانا غاليا, فلا ينبغي أن يضيع وقته, بل يقصد في مشيه, ويغضض من صوته, إن أنكر الأصوات لصوت الحمير
واتباع الآباء مشروط أن يكون ضمن اتباع ما أنزل الله, ويراجع الأبناء آباءهم, فلا اتباع أعمى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)