بعد أن توجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الناس بسورة التكوير, وجّه الله سبحانه له درسا جديدا, يعمق معرفته بربه: سبح اسم ربك الأعلى , هو خالق كل شيء فمسوّيه , ووضع له نظام عمله وحياته , ورزقه وأخرج له المرعى. لقد أعلم الله نبيه من البداية, أن ربه الذي خلق, وهنا يزيد فيقول له )سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(1)الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى(2)وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى(3)وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى(4)فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى(5)
وهو يعلم رسوله ويؤكد عليه أسلوب إلقاء الذكر إليه , وطريقة تعليم الله له هي أنه سبحانه سيقرئه ويذكّره , فيتلقى عن ربه الهدي والعلم , لينقله إلى الناس , فيذكّرهم به , لمن تنفعه الذكرى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى(6)إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى(7)وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى(8)
..ويأمره بأن يذكّر الناس إن نفعت الذكرى (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى(9),وأنهم سيختلفون في تلقّي هداية الله: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى(10)وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى(11)الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى(12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا(13)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14)وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15)
..وبعد أن كانت الدنيا هي فقط التي أمامهم , أعلمهم في التكوير أن هناك آخرة , ثم بدأ في الأعلى يقارن لهم بين الدنيا والآخرة وينتقد عليهم إيثار الحياة الدنيا , والآخرة خير وأبقى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(16)وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(17)
ثم يلمّح الله إلى تواصل رسالاته ورسله في مسيرة الهداية فيقول مشيرا إلى الرسالات السابقة: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى(18)صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى(19)
فهي رسالة واحدة إلى الناس , تتطور معهم في كل عصر , وأساسها واحد .
وممن يذكّرهم رسول الله , من سيعمل وينفذ ما يريده الله منه, ولا يقتصر على اعتقاده في الحساب , ولكنه يذكر اسم ربه فيصلّى.
وبعض من أولئك الذين آمنوا بالآخرة , قد يقتصرون على الاعتقاد , ولا ينفعلون به إلى العمل , بل يؤثرون الحياة الدنيا , فيؤكد الله لهم أن الآخرة خير وأبقى.
إذن بعد استقرار العقيدة في البعث والحساب , أصبحت الآخرة في قلوب الناس إلى جانب الحياة الدنيا , , وعليهم الآن أن يضعوا الآخرة في الحسبان , وأن يؤثروها على الحياة الدنيا , لكي يبرهنوا على صدق اعتقادهم , فيهديهم الله إلى هذا المعنى ( بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة خير وأبقى)
وعلى الدعاة إلى الله أن يركزوا في بداية دعوتهم بعد بيان البعث والحساب والثواب والعقاب, على الاهتمام أولا بمن يخشى الله والموقف بين يديه يوم الحساب , قبل الاهتمام بالأشقى , الذي يصلى النار الكبرى . وأن يأخذوا بيد من تزكّى , وذكر اسم ربه فصلّى, مع التركيز على تمييز الآخرة على الدنيا.