روى الترمذي عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ وَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ أَبِي طَالِبٍ مَجْلِسُ رَجُلٍ فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ قَالَ كَلِمَةً وَاحِدَةً قَالَ كَلِمَةً وَاحِدَةً قَالَ يَا عَمِّ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالُوا إِلَهًا وَاحِدًا مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ قَالَ فَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ ( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ) إِلَى قَوْلِهِ ( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ )[1]
من هذا الحديث, أدركت أنني أمام إعداد أمة لقيادة العالم أجمع.
فلماذا تدين العرب لمن يشهد ألا إله إلا الله؟ ولماذا تدفع له العجم الجزية؟
إلا أنه يعلو عليهم جميعا, بكل أشكال القوة, والتي منها القوة العسكرية, والاقتصادية والسياسية, والخلقية, والعلمية, وغيرها من القوى التي تُعلي أصحابها.
ثم لاحظت من علم التجويد, أن حرف الصاد, فيه الصفات الآتية:
الاستعلاء, وهو العلو والارتفاع وذلك بارتفاع جزء كبير من اللسان عند النطق به إلى الحنك الأعلى, وهي من صفات القوة في الحروف
والإطباق (الإلصاق), وهو الصاق أو اطباق اللسان أو طائفة منه مع الريح على الحنك الأعلى عند النطق به, وانحصار الصوت بينها, وحرف الصاد متوسط في الإطباق, وهو من صفات القوة.
الإصمات , ويعني المنع, وبه يشعر الناطق بمحاولة انغلاق الحلق, وعدم القدرة على سرعة النطق بالحرف, وهو أيضا من صفات القوة.
الصفير, وهو انحصار الصوت بين الثنايا وطرف اللسان, وحرف الصاد أقوى حروف الصفير, لما فيه من الاستعلاء والإطباق والإصمات
الرخاوة , وهي اللين, وجريان الصوت عند النطق به, والصاد (مع الخاء) أقوى حروف الرخاوة
الهمس (الخفاء), وهو جريان النفس عند النطق به.
وهذه الصفات في حرف الصاد, هي من صفات القيادة, التي لا تكتفي بالاستعلاء والإطباق والإصمات, ولكنها تمتثل معها للرخاوة والهمس, فلا يقطع قائد محنّك الشعرة التي بينه وبين الرعية.
وسورة ص, فيها القيادة والخلافة, والسلطة, والاستعلاء, بكل أشكاله. فقد ذكرت فيها تفاصيل من قصص الأنبياء بغير ترتيبهم التاريخي, ولكن بترتيب مكانتهم القيادية, فداوود كان أعلى قيادة في كل أنبياء الله ورسله قبل رسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلم, فقد بدأ جنديا, ثم أصبح قائدا للجيوش ثم آتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء, وقال له في هذه السورة (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض, فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله),
وسليمان ابن داوود وقد قال الله فيه (نعم العبد, إنه أواب) وضرب الله به مثلا يحتذى في القيادة حيث طفق مسحا بسوق الخيل والأعناق, وذلك بالعشي أي بين العصر والمغرب, وبعد أن عرضت عليه الصافنات الجياد, وآثر أن يقوم بهذا العمل بنفسه وهو النبي الملك ابن الملك وقد حشر له جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون, ووهب الله له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده, جزاء إنابته لله واستغفاره, وضربه أعلى الأمثلة في القيادة. وهذا مما يرجح أن سورة ص تتحدث عن القيادة, وبالتالي يرجح أن ص رمز للقيادة, وأن هناك ارتباطا بين صفة حرف ص, وبين موضوع سورة ص, وترتيب وتفاصيل القصص فيها.
وأيوب كان رجلا للمال والأعمال, وضرب الله به أعلى الأمثلة في الصبر, كقيادة اقتصادية كبرى.
وإبراهيم وإسحاق ويعقوب, أولي الأيدي والأبصار, وهي من صفات القيادة, بالأيدي في العمل الصالح, والأبصار بحسن التخطيط والتفكير والتدبير
وإسماعيل واليسع وذو الكفل, وكل من الأخيار
وحتى قصة إبليس, حيث قال له الله: لأملآن جهنم منك وممن تبعك منهم آجمعين, وفيها إشارة للقائد والتابع, وقد قال له في الأعراف (لأملأن جهنم منكم أجمعين)
وفي ترتيب قصص الأقوام السابقين, جمع الله قوم نوح وعاد وفرعون ذي الأوتاد في آية, وجمع ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة في آية, والمجموعة الأولى تمثل الطاغين المفسدين في الأرض, وبترتيب أن قوم نوح قال عنهم الله (إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) وعاد قالوا هم عن أنفسهم (من أشد منا قوة) فيأتون في المرتبة الثانية في الطغيان, ثم فرعون ذو الأوتاد الذين قال الله فيهم (الذين طغوا في البلاد, فأكثروا فيها الفساد) ولهذا فهم يأتون في المرتبة الثالثة في الطغيان. وتمثل المجموعة الثانية الفجّار, حيث قوم ثمود قد اعتدوا على آية الله, وقوم لوط اعتدوا على حدود الله في إشباع الغريزة الجنسية, وقوم شعيب اعتدوا على الكيل والميزان
وجاء التعليق بعد قصة داوود (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض, أم نجعل المتقين كالفجار), ليبين دور ومسئولية القائد, أن يمكّن للذين آمنوا وعملوا الصالحات بدلا من المفسدين في الأرض, من أمثال المجموعة الأولى الطغاة, ويمكّن للمتقين بدلا من أمثال المجموعة الثانية الفجّار.
والذي يبدو من ذلك, أن هناك ارتباطا بين صفة الحرف الفاتح للسورة, مع موضوع السورة, وترتيب قصص الأنبياء فيها, والتفاصيل الواردة في القصص فيها, والحديث الوارد في مناسبة نزولها.. وهذه نتيجة مبدئية, تستكمل بإذن الله فيما يلي..
[1] قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ