فإذا ما أُعدّ الله رسوله لتحمّل مشاق الدعوة , وقبل أن يبدأ في مواجهة الناس , يعطيه الله ملخص ومجمل الرسالة .فلابد أن يعرف أسلوب العمل , والمنهاج الذي سيسير عليه , وعليه أن يسلك طريقا محددا للوصول إلى الهدف , فالوصول إلى الهدف لا يكون من أي طريق , وإنّما يكون فقط من الطريق الذي حدده صاحب الشأن والأمر كله سبحانه ..
وهنا أنزل الله فاتحة الكتاب , كملخّص للمنهاج , وفهرس لكتاب الله , تحوي رءوس المواضيع :
- فيحدد الله فيها أسلوب العمل (بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ) ,فإن كان باسم الله , فهو بالأسلوب الذي يرضي الله, والغاية عنده لا تبرر الوسيلة , فالوسيلة نقية طاهرة , مثل الغاية تماما. أي أنك لابد أن تسلك طريقا محددا يرضاه الله للوصول إلى الهدف المحدد فلا تصل إليه من أي طريق شئت ,فالوسيلة في حد ذاتها لست مخيرا فيها.
فمثلا , لو طلب منك صاحب العمل أن تساعده في بيع إنتاجه, ونجحت في ذلك ,ولكن بأن خدعت الناس وكذبتهم في مواصفات السلعة , ولجأت إلى وسائل الغش والتدليس , فإن صاحب العمل الشريف لن يرضى عن فعلك , ولن يقبل أن تحقق له هدفه بهذا الأسلوب , ولله المثل الأعلى.
- وتتذكّر دائما أن صاحب الفضل عليك وعلى الناس بالهداية هو الله وحده (الْحَمْدُ لِلَّهِ )
- وهو يحدد لك من المستهدف لدعوتك , وهو كل العالمين , لأنه سبحانه هو (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ذو الإمكانيات والقدرات غير المحدودة (الرَّحْمَانِ) , (الرَّحِيمِ) في منهاجه , ويمهل الناس , ويصبر عليهم ولا يستعجل لهم العذاب , فعليك أن تتحلي بالرحمة لتتمكن من الاستمرار في دعوة الناس دون ملل ولا كلل.
- ولابد أن يكون أمامك دائما موقفك بين يدي الله للحساب في الآخرة لأن صاحب الأمر جل شأنه هو (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وأمامه يكون الحساب , الذي يدان فيه الإنسان على تقصيره وتفريطه, فإن فعلت فأنت مراقب لله, يصعب على الشيطان أن يمد سلطانه عليك ولا أن يصيبك بوساوسه وكيده.
- ولكي يساعدك الله في مهمتك , لابد أن تبدأ بالعبادة المخلصة له (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) , وتستعين به فيعينك على العمل في سبيله (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ), وتشعر أنك جزء من المجتمع والناس, فتتحدث عن نفسك وعن المؤمنين معك بصيغة الجمع (نعبد ونستعين), فتسأل الله العون لك وللمؤمنين معك.
- وبالتالي يهديك الطريق المستقيم بإذنه ومشيئته , سبحانه لا يُسأل عما يفعل (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)
- وسوف ينقسم الناس كما انقسموا في كل تاريخ الإنسانية على الأرض , إلى ثلاث شعب , فأنت تطلب أن تكون من الشعبة الناجية , التي تهتدي إلى (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) , غير تلك الشعبة التي عرفت الحق فلم تلتزم به (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) ولا تلك الشعبة التي لم تعرف الحق (وَلَا الضَّالِّينَ).
وبهذا فقد تم تحديد مبدأ العمل باسم الله ,وتحديد يوم الحساب, وعُلم أن هناك صراطا مستقيما محددا , وأنه سوف يسير عليه بعض الناس أنعم الله عليهم , وأن البعض سيعرفه فيسير على عكسه , فأولئك هم المغضوب عليهم , والبعض سيضل عنه فأولئك هم الضالون.
وعلى من يعمل في الدعوة إلى الله , أن يتوقع أن يقابل هذه الفئات من الناس , وسيهديه الله في كتابه إلى كيفية التعامل مع كل فئة منها.