قد يكون العدو خفيا لا يراه الناس, قد يأتي في الظلام, وقد يأتي بالحيل والمؤامرات, كما قد يأتي بنفس شريرة حاسدة. كل ذلك قد لا يستطيع المخلصون مواجهته. وفي سورة الفلق يطمئن الله المخلصين بأنه سبحانه يعيذهم من كل شر خفيّ. ويعطيهم مفتاح الحذر والإنقاذ منه, بالاستعاذة بالله, فيقول: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(3)وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5)
والفلق من معانيه الصبح , ومن معانيه الخلق كله . بالإشارة إلى كل ما يفلق عنه الوجود والحياة
وسواء كان هو الصبح فالاستعاذة برب الصبح الذي يؤمن بالنور من شر كل غامض مستور , أو كان هو الخلق فالاستعاذة برب الخلق الذي يؤمن من شر خلقه , فالمعنى يتناسق مع ما بعده . .
(من شر ما خلق). . أي من شر خلقه إطلاقا وإجمالا . وللخلائق شرور في حالات اتصال بعضها ببعض . كما أن لها خيرا ونفعا في حالات أخرى . والاستعاذة بالله هنا من شرها ليبقى خيرها . والله الذي خلقها قادر على توجيهها وتدبير الحالات التي يتضح فيها خيرها لا شرها !
(ومن شر غاسق إذا وقب). . والغاسق في اللغة الدافق , والوقب النقرة في الجبل يسيل منها الماء . والمقصود هنا – غالبا – هو الليل وما فيه . الليل حين يتدفق فيغمر البسيطة . والليل حينئذ مخوف بذاته . فضلا على ما يثيره من توقع للمجهول الخافي من كل شيء:من وحش مفترس يهجم . ومتلصص فاتك يقتحم . وعدو مخادع يتمكن . وحشرة سامة تزحف . ومن وساوس وهواجس وهموم وأشجان تتسرب في الليل , وتخنق المشاعر والوجدان , ومن شيطان تساعده الظلمة على الانطلاق والإيحاء . ومن شهوة تستيقظ في الوحدة والظلام . ومن ظاهر وخاف يدب ويثب , في الغاسق إذا وقب !
(ومن شر النفاثات في العقد). . والنفاثات في العقد:السواحر الساعيات بالأذى عن طريق خداع الحواس , وخداع الأعصاب , والإيحاء إلى النفوس والتأثير والمشاعر . وهن يعقدن العقد في نحو خيط أو منديل وينفثن فيها كتقليد من تقاليد السحر والإيحاء !
(ومن شر حاسد إذا حسد ) والحسد انفعال نفسي إزاء نعمة الله على بعض عباده مع تمني زوالها . وسواء أتبع الحاسد هذا الانفعال بسعي منه لإزالة النعمة تحت تأثير الحقد والغيظ ، أو وقف عند حد الانفعال النفسي ، فإن شرا يمكن أن يعقب هذا الانفعال .
وقد روى البخاري – بإسناده – عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما ، وقرأ فيهما ، ” قل هو الله أحد ” . . و ” قل : أعوذ برب الفلق ” . . و ” قل : أعوذ برب الناس ” . . ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات
وقد رأيتم كيف فعل ربكم بأصحاب الفيل , فهو قادر على إعاذتكم من كل شر ظاهر أو خفي, مادي أو نفسي,